تحاول الولايات المتحدة الأميركية نزع فتيل صدام في شمال سورية بين "قوات سورية الديمقراطية" من جهة وبين المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا من جهة ثانية، من خلال ترسيخ اتفاق بين الطرفين يحدد مصير مناطق في شمال حلب سبق لـ"سورية الديمقراطية" أن استولت عليها في ذروة الخلاف التركي الروسي على خلفية إسقاط طائرة روسية في شمال سورية أواخر عام 2015، وهو ما فجّر الأوضاع في شمال سورية، وخلق أزمة إنسانية كبرى.
وذكرت مصادر مطلعة أن مفاوضات تجري من أجل إبرام اتفاق تخرج بموجبه "قوات سورية الديمقراطية" من مدينة تل رفعت في شمال مدينة حلب ومناطق في محيطها، منها بلدة منغ ومطارها. كما يضمن الاتفاق عودة عشرات آلاف المهجرين من هذه المناطق إلى منازلهم. وكانت "سورية الديمقراطية" انتزعت السيطرة على هذه المناطق من قوات المعارضة السورية المسلحة في منتصف فبراير/شباط 2016 تحت غطاء ناري روسي، إبان الخلاف بين أنقرة وموسكو، ما أدى إلى تهجير عشرات آلاف المدنيين.
وأكد مصدر في "لواء المعتصم بالله"، التابع للمعارضة السورية، في حديث مع "العربي الجديد"، صحة الأنباء التي تتحدث عن اتفاق وشيك، لكنه رفض الخوض في تفاصيله. وأشار إلى أن مؤتمراً صحافياً سيعقد فور توقيع الاتفاق لاطلاع السوريين على بنوده. وكانت مدينة تل رفعت التي تقع إلى الشمال من مدينة حلب بنحو 40 كيلومتراً، من أبرز معاقل المعارضة السورية المسلحة في شمال البلاد، منذ انتزاع السيطرة عليها من قوات النظام أواخر عام 2012. وقد شهد ذاك العام اندفاعة كبرى للمعارضة المسلحة في شمال سورية.
وبات من الواضح أن الولايات المتحدة تدفع باتجاه عقد اتفاق بين "قوات سورية الديمقراطية" والمعارضة المسلحة يحول من دون وقوع صدامٍ دامٍ من شأنه أن يخلط الأوراق في شمال سورية وأن يعيق العمليات العسكرية الهادفة إلى القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في شرقي سورية.
وكانت فصائل عسكرية تابعة للمعارضة السورية هددت باسترداد مدينة تل رفعت وريفها بالقوة في حال عدم انصياع "قوات سورية الديمقراطية" للحل السلمي الذي يكفل خروجها وعودة المهجرين الذين يتوزعون على عدد من المخيمات في محيط مدينة إعزاز بالقرب من الحدود السورية التركية، ويعيشون ضمن ظروف صعبة.
في موازاة ذلك، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أنَّ مساعي تُبذل من أجل عقد اتفاق آخر يضمن عودة عشرات آلاف العرب المهجرين من مناطق شرقي نهر الفرات تقع بالقرب من مدينة عين العرب أبرزها الشيوخ الفوقاني والشيوخ التحتاني، على أن تبقى تحت إدارة الوحدات الكردية المسيطرة على منطقة واسعة في شمال سورية، تبدأ بمدينة منبج وتنتهي في محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية.
وتأتي هذه التطورات في شمال وشمال شرقي حلب، في ظل حديث عن أكثر من عملية عسكرية تركية يجري الإعداد لها في شمال سورية، منها عملية تهدف لإعادة رفات سليمان شاه الجد المؤسس للسلطنة العثمانية إلى مكانه السابق في قرية قره قوزاق التي باتت تحت سيطرة الوحدات الكردية. وكانت السلطات التركية نقلت الرفات في فبراير/شباط من عام 2015 إلى الحدود السورية التركية إثر سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على المنطقة. وتعتبر أنقرة المكان الذي يوجد فيه ضريح سليمان شاه أرضاً تركية. ولا يزال مصير مدينة منبج شمال شرقي حلب عالقاً، إذ تصر تركيا على انسحاب "سورية الديمقراطية" منها، فيما تصر الأخيرة على البقاء فيها، مما يُبقي الشمال السوري مفتوحاً على احتمالات عدة منها الصدام العسكري، إلا إذا نجح تدخل الولايات المتحدة بدفع الأمور باتجاه اتفاق شبيه باتفاق تل رفعت ومحيطها.