وإضافة إلى التحديات الخارجية الكثيرة، وجبهات القتال المتنوعة، تواجه الحركة تحديات داخلية كبيرة، من أبرزها التشتت والخلافات الداخلية بين زعامة الحركة والقيادة الميدانية، والتي تؤدي بشكل خطير إلى تصفية القياديين البارزين في الحركة. فخلال الأيام القليلة الماضية قُتل عدد من القادة في مدينتي بيشاور وكويتا الباكستانيتين، واللتين تعدان معاقل آمنة لقيادة الحركة وذويهم. وكان المولوي محمد داوود جلال، القيادي في الصف الأول في الحركة وحاكمها على عدد من الأقاليم منها العاصمة كابول، قد قُتل في مدينة بيشاور يوم أمس الجمعة، في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه الحركة إطلاق هجوم الربيع. وقُتل جلال نتيجة هجوم استهدف سيارته في منطقة غز بمدينة بيشاور، بعدما خرج من اجتماع للحركة، مع قيادي آخر يدعى الملا خاكسار، وقد قُتلا مع عدد من رفاقهما.
الحكومة تواجه "ربيع طالبان"
لا شك أن الحكومة الأفغانية تؤدي دوراً مهماً في الخلافات الداخلية، كما أنها المتهمة الأولى بقتل واغتيال بعض قيادات "طالبان" في كويتا وبيشاور لتجعل المدينتين غير آمنتين لقيادات الحركة وأسرهم، فهي كذلك تستغل الخلافات في صف "طالبان" لتصل إلى أهدافها.
ولم تكتف الحكومة بقتل واغتيال قادة "طالبان"، كما تزعم الحركة، بل حاولت وما زالت تسعى لتجميد مصادر دخل الحركة، وذلك من خلال تدمير مصانع الهيرويين وحقول نبتة الخشخاش والأفيون، وقد أطلقت حملات مكثفة ضدها هذا العام. كذلك ركزت العمليات الخاصة التي تنفذها القوات الأفغانية الخاصة (الكوماندوس) في إقليم هلمند وننجرهار على المخدرات. والهدف من وراء ذلك كله تجميد مصادر دخل "طالبان"، إذ تحصل الحركة على أموال طائلة من حقول الخشخاش أولاً ومن الهيرويين والأفيون ثانياً. وكان ذلك السبب لانعقاد لقاءات بين الرئيس الأفغاني أشرف غني، وقيادات القوات الدولية في أفغانستان، والاتفاق على العمل المشترك لتدمير مصانع الهيرويين وحقول الخشخاش. وقد دمرت قوات الكوماندوس خلال الأسابيع الماضية أطناناً من الهيرويين والأفيون في مختلف مناطق البلاد.
كذلك عملت الحكومة خلال الفترة الماضية على منع مساعدة الناس لحركة "طالبان"، واستخدمت قناتين لذلك: وسائل الإعلام وعلماء الدين. فمن خلال وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، حاولت الحكومة إقناع الناس بأن "طالبان" والجماعات المسلحة تضر هذه البلاد وتدمر أمنها، وأن المساعدات التي يعطيها أبناء الشعب للحركة لن تصرف لصالحهم.
على سبيل المثال جاء في أحد الإعلانات التي تُبث عبر معظم القنوات الأفغانية: "إخوتي وأخواتي لا تساعدوا طالبان وداعش وجميع المسلحين بأموالكم، لأنهم أعداؤكم وأعداء بلادنا، إنهم يهددون مستقبل أطفالنا ومستقبل بلادنا". ورافقت هذه الإعلانات صور للتفجيرات وما قامت به تلك الجماعات من عمليات، ذلك إضافة إلى كلام لأسر الضحايا وعلماء الدين. كذلك استخدمت الحكومة الأفغانية الهجمات الأخيرة ومنها الهجوم على مستشفى عسكري في كابول في الثامن من شهر مارس/ آذار الماضي، والهجوم على مسجد داخل قاعدة عسكرية الأسبوع الماضي وهجمات مماثلة أكبر، كوسيلة للحملة الإعلامية ضد "طالبان" والجماعات المسلحة.
أيضاً حركت الحكومة بشتى الوسائل علماء الدين ضد الجماعات المسلحة. وكما أن هناك سعياً لتحريك علماء الدين بهدف تجميد مصادر دخل "طالبان"، خصوصاً المساعدات المقدّمة من الناس، يجري عمل حثيث ليساهم علماء الدين في الحملة ضد الجماعات المسلحة من خلال إدانة الأعمال الأخيرة واستخدام المسجد والمدارس والمجموعات الدينية للوصول إلى هذا الهدف.
جبهات قتال جديدة
ومن بين التحديات المهمة التي تواجهها "طالبان" في جبهات القتال، التنظيمات المسلحة التي يزداد عددها ويتنامى نفوذها وقوتها يوماً بعد آخر. وبعد أن كان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحده من يقاتل "طالبان"، وقد أدت المعارك بين الطرفين إلى مقتل مئات المسلحين منهما، يُتوقع أن تواجه "طالبان" هذا العام مسلحي الحزب الإسلامي الذي تصالح مع الحكومة الأفغانية قبل فترة، وجاء زعيمه قلب الدين حكمتيار إلى أفغانستان قبل أيام من دون أن يظهر إلى العلن. وبدأت المعارك بين "طالبان" وأنصار الحزب في بعض الأقاليم كوردك ولوجر. وبعد أن كانت الحركة والحزب يقاتلان ضد الحكومة والقوات الدولية، بدآ يتقاتلان ضد بعضهما، ليتحول الحزب إلى جبهة جديدة تواجهها "طالبان" في هذا الربيع.
وبالنظر إلى المتغيرات داخل "طالبان" وعلى مستوى أفغانستان والمنطقة، يبدو أن "ربيع طالبان" هذا العام يختلف عن السابق، ويُتوقع أن تواجه الحركة جبهات مختلفة في الميدان، إضافة إلى الخلافات الداخلية التي تشكل أكبر تحدٍ على المستوى الداخلي.