وتقول التفاصيل التي استقصتها "العربي الجديد"، من أكثر من مصدر في العاصمة اليمنية، إن جماعة أنصار الله (الحوثيين) وعبر جناح منظمات المجتمع المدني المحسوبة على الجماعة، نظمت الإثنين، تظاهرة انطلقت من أمام مكتب الأمم المتحدة في صنعاء، صوب المطار، لتستقبل المبعوث الدولي، الذي وصل ظهر الإثنين، في زيارة يسعى من خلالها لإجراء مباحثات مع ممثلين عن الحوثيين وحزب المؤتمر الذي يترأسه المخلوع علي عبد الله صالح، حول مقترحات أممية لاستئناف مفاوضات السلام.
وبعد وصول المبعوث الأممي، تجمع المتظاهرون الموالون للانقلابيين أمام صالة مطار صنعاء الدولي، لمنع اسماعيل ولد الشيخ أحمد، من الخروج من المطار صوب العاصمة وحدث إطلاق نار. وإلى هنا تتفق أغلب الروايات، غير أنه وعقب ذلك، تقول الرواية التي أعلنتها الحكومة اليمنية الشرعية أن المبعوث الأممي تعرض لمحاولة اغتيال، وإن سيارته تعرضت لرصاص مباشر، نجا منها، بأعجوبة. وحملت الحكومة اليمنية الانقلابيين كامل المسؤولية وقالت إنه "لا يمكن لأي طرف أن ينفذ هكذا اعتداء في قلب العاصمة صنعاء التي تحكمها القوى الانقلابية بالحديد والنار دون ترتيب وتنسيق مسبق مع القيادات العليا لقوى الانقلاب"، كما اعتبرتها "أعلى درجة الاستخفاف والتحدي للمجتمع الدولي من قبل هذه المليشيات التي لا تؤمن بالسياسة أو الحوار لحل الوضع القائم في اليمن"، على حد تعبيرها.
في المقابل، تقول الرواية الأخرى والتي حصلت عليها "العربي الجديد"، من مصادر قريبة من الحوثيين وحلفائهم، إن إطلاق النار حدث بالفعل، لكنه كان من قبل قوات الأمن التي تتولى حراسة المبعوث الأممي، حيث أطلقت النار في الهواء، لتفريق المتظاهرين، للسماح بموكب المبعوث الأممي بالمرور ومواصلة طريقه نحو مقر إقامته في العاصمة. أما وسائل الإعلام الرسمية اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون، فلم تعترف من قريب ولا من بعيد، بخبر وصول المبعوث الأممي، ولم يصدر أي توضيح من قبل الجهات الأمنية الواقعة تحت نفوذ الانقلابيين، يوضح ملابسات الحادثة.
وجلبت المحاولة التي اتهمت فيها الحكومة اليمنية الانقلابيين، باستهداف المبعوث الأممي، إدانات واسعة، إذ حمل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في بيان اليوم الثلاثاء "المليشيات الحوثية وقوات المخلوع علي عبد الله صالح، مسؤولية مثل هذه الأعمال الغادرة والجبانة وغير المسؤولة". وقال البيان إنها "تهدف إلى إعاقة جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سلمي للأزمة"، كما وصفت الخارجية القطرية في بيان لها العملية بأنها "هجوم شنيع ومحاولة يائسة لإعاقة جهود الأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية".
الجدير بالذكر، أن ولد الشيخ يتواجد في صنعاء منذ الاثنين، في أجواء ليست على ما يرام، إذ استبقت الزيارة قيادات في جماعة الحوثيين، أعلنت أن الاستقبال مرهون بقيام المبعوث الأممي، بحل "أزمة مرتبات الموظفين"، الحكوميين المنقطعة منذ سبتمبر/ أيلول العام الماضي، وهو مطلب يبدو تعجيزياً بالنظر إلى تعقيدات الأزمة اقتصادياً وسياسياً، وتبدو كما لو أنها من باب رفع السقف والضغط على المبعوث الأممي في أفضل الأحوال.
ومنذ فبراير/ شباط العام الجاري، شن الحوثيون وحلفاؤهم حملة إعلامية ضد المبعوث الأممي واتهموه بعدم "الحياد". كما طالبوا برسالة رسمية إلى الأمم المتحدة، بتغييره وسردوا العديد من الاتهامات. وفي وقت لاحق، رفضوا استقبال منسق سياسي للأمم المتحدة في صنعاء، في سياق اعتراضهم على موقف الأمم المتحدة ومبعوثها.
في سياق منفصل، نفذت الولايات المتحدة الأميركية، فجر الثلاثاء، عملية إنزال جوي جديدة، في اليمن، استهدفت مشتبهين بالانتماء لـ"تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، في عملية هي الثانية من نوعها، منذ تسلم إدارة دونالد ترامب، السلطة في الولايات المتحدة، في يناير/ كانون الثاني، العام الجاري.
وتقول مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن الهجوم وقع بحدود الواحدة فجر الثلاثاء، في قرية الخثلة بمديرية الجوبة، بمحافظة مأرب، حيث استهدف قرية يسكنها أفراد من قبيلة العذلان، بغارات جوية مكثفة لطائرات بدون طيار ومروحيات "أباتشي" الهجومية"، ترافق معها إنزال جوي في المنطقة. وأشار بيان لوزارة الدفاع الأميركية، إلى أنها هدفت لـ"معرفة مواقع تنظيم القاعدة وقدراته ونواياه".
وفي حين أعلنت واشنطن مقتل سبعة من مسلحي تنظيم القاعدة خلال الهجوم، جراء الغارات وإطلاق النار من الجنود، تقول الروايات المحلية، إن عدد القتلى الذين قضوا بالعملية خمسة أشخاص بالإضافة إلى ستة مصابين، وسط أنباء عن قصف عشوائي نفذته القوات الأميركية في القرية، أثار حالة من الرعب في أوساط الأهالي، وخلف دماراً لم يتسن على الفور الحصول على تفاصيل حول آثاره.
الجدير بالذكر أن العملية تعتبر الثانية من نوعها، ولكنها أقل من سابقتها، التي وقعت في يناير/ كانون الثاني المنصرم، واستهدفت قرية يكلا بمحافظة البيضاء، المحاذية لمأرب اليمنية، ونتج عنها مقتل 15 على الأقل، بما فيهم مدنيون وأطفال ونساء. وكان لافتاً أن العملية الجديدة لم تستهدف قيادات معروفة في التنظيم، كما هو حال العملية الأولى في البيضاء.
وبدأت واشنطن منذ الـ28 من فبراير/شباط المنصرم موجة جديدة من العمليات الجوية التي تستهدف المشتبهين بالانتماء للقاعدة، ونفذت خلال مارس/ آذار وأبريل/ نيسان عشرات الضربات الجوية، تركزت أغلبها في محافظات البيضاء وشبوة وأبين وسط وجنوبي اليمن، ولم يعلن تنظيم "القاعدة"، عن حصيلة لضحاياه جراء هذه الضربات.