في الوقت الذي أعلنت فيه الشرطة الإسرائيلية أنها تستعد لأكبر حملة لتأمين وحراسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال زيارته المقررة في 22 مايو/ أيار الحالي، سارعت جهات في اليمين الاستيطاني، ممثلة بحزب البيت اليهودي، وجهات أخرى، إلى استباق الزيارة للإعلان عن أن مبادرة ترامب لن تؤدي في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام دائم، بل من شأنها أن تضع ترامب على مسار صدام مع دولة الاحتلال، عاجلاً أم آجلاً، وفق ما ذهب إليه المحلل السياسي في صحيفتي "معاريف" و"ميكور ريشون"، أريئيل كهانا.
وكانت وزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، أول من أعلن أنه لا فائدة ترجى من أي مفاوضات، وأنه لا جدوى من تبذير الوقت والجهود على مفاوضات عبثية، لن تؤدي إلى حل متفق عليه، بفعل الفجوة التي تفصل بين المواقف الفلسطينية والإسرائيلية. شاكيد، التي كانت أطلقت تصريحاتها السبت الماضي، كررتها أمس الجمعة، وإن كانت أطلقت بالتوازي ما اعتبر لسعة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عندما تساءلت، في مقابلة مع القناة الثانية، عن هوية الطرف الذي حرف مسار ترامب المؤيد لنقل السفارة الأميركية إلى القدس والرافض لدولة فلسطينية. واستحقت شاكيد على تصريحاتها "الصريحة" غضب ديوان نتنياهو منذ السبت الماضي، عندما وصفها بأنها كآخر "المعقبين في شبكات التواصل الاجتماعي".
لكن هذه المواقف الأولية والخلاف البادي للعيان بين اليمين الاستيطاني، الذي يرى بأن على نتنياهو أن يتدارك إضاعة الفرصة التي أتيحت له في لقائه مع ترامب، عندما لم يعلن رسمياً أنه لا مجال لحل الدولتين، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يبدي، ولو علنياً ورسمياً فقط، عن استعداد للمفاوضات، يكشف حقيقة المواقف في إسرائيل. وخصوصاً أن تصريح ترامب، بشأن عدم وجود أي نية لفرض أي حل على أي من الطرفين، يصب في نهاية المطاف في مصلحة حكومة الاحتلال وسياسة نتنياهو المعلنة برفض أي مفاوضات دولية، أو أي حل يفرض على إسرائيل من قبل طرف خارجي. ويعني هذا، في ظل ما طرحته الصحف الإسرائيلية، والمعلومات التي أوردتها حول الزيارة المرتقبة لترامب إلى إسرائيل، مع ما يسبقها من زيارته أولاً إلى السعودية، كمحطة أولى، إذ ينتظر أن يلتقي بعدد من الزعماء العرب في سياق تأكيد الولايات المتحدة دعم "محاربة الإرهاب الأصولي" بالتوازي مع مواجهة الزحف الإيراني، وإعلان ترامب المرتقب عن قبوله ببعض ما جاء في المبادرة العربية، أن زيارة الرئيس الأميركي وجولته في المنطقة تهدف إلى تحريك عملية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن ليس دون غطاء إقليمي عربي، قوامه اعتماد بعض "النقاط الإيجابية" في المبادرة العربية.
ويمكن وفقاً للمعلومات التي ذكرتها "هآرتس" في هذا السياق مع تعليقات محللين إسرائيليين في الصحف الأخرى، الخروج باستنتاج أن مبادرة ترامب، أياً كانت، لن يكتب لها النجاح على الأقل في المرحلة الأولى والقريبة، ولأسباب داخلية تتعلق بتشكيلة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي. وهذا يفسر عدم التلهف أو الحماس، وبالأساس غياب التفاؤل لدى محللين، مثل دان مرغليت في صحيفة "يسرائيل هيوم"، وشلومو شمير في "معاريف"، وعميرا هيس في "هآرتس"، وعاموس هرئيل في "هآرتس" أيضاً. وقلل الاثنان الأخيران مثلاً من احتمالات إحداث انطلاقة حقيقية في مفاوضات جادة للتوصل إلى حل دائم، بينما اعتبر مرغليت أن نتنياهو في لحظة ما سيجد نفسه أمام خيار يلزمه بتقديم تنازلات على شكل تجميد البناء الاستيطاني، ووقف عمل آليات الحفر، فيما سيجد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، نفسه مضطراً بدوره لتقديم تنازلات في مسألة مخصصات الأسرى، وهي صفقة أو بوادر حسن نية. وإن كان الاثنان، بحسب مرغليت، يدركان أنها ضرورية وقد يقبلان بها، إلا أنهما لن يتطوعا لتقديمها، وإنما فقط في حال فرض الأمر عليهما. والسؤال الذي يطرحه مرغليت هو هل يمكن لحكومة إسرائيل أن تصمد أمام طلب تقديم تنازل كهذا في مرحلة مبكرة من المفاوضات؟ ويجيب مرغليت بالنفي، من خلال الإشارة إلى أن هذا ما يدع مسؤولين ووزراء في الائتلاف الحكومي الحالي يتحدثون عن العام 2018 موعداً لانتخابات نيابية جديدة، بدلاً من الموعد الرسمي للانتخابات في 2019.
هذا إسرائيلياً، وفي ما يتعلق بالاعتبارات الحزبية الداخلية. لكن مع ذلك، لو فرضنا أن نتنياهو تمكن من إقناع أعضاء حزبه، ومعهم أيضاً حزب أفيغدور ليبرمان، بأنه لا مجال الآن لقول لا للمفاوضات، وبالذات إزاء رئيس صديق مثل ترامب، وتكرار مسألة كسب الوقت، كما كان فعل في سياق العملية التي قادها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، بين عامي 2013 و2014، فإننا نكون أمام محاولة استعادة سيناريو فبراير/ شباط من العام الماضي. وكان هذا السيناريو اعتمد على تصريحات وأفكار طرحها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بشأن إطلاق مبادرة لمؤتمر إقليمي بمشاركة مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وربما دول خليجية (ذكر يومها أن المقصود السعودية والإمارات) في مواجهة المبادرة الفرنسية، كمبرر يمكن نتنياهو من ضم حزب المعسكر الصهيوني لائتلافه الحاكم، وهي مناورة انتهت بضم ليبرمان للحكومة. وإن كان تبين لاحقاً أن أفكار السيسي المذكورة، كانت بطلب من نتنياهو، وبوساطة توني بلير، ومن خلال اتصالات أيضاً بين كيري وتسيبي ليفني وقيادات مصرية وأردنية رفيعة المستوى مع زعيم المعارضة، يتسحاق هرتسوغ، لإقناعه بوجود فرصة حقيقية لإطلاق عملية سلام، في حال وافق على الانضمام إلى حكومة نتنياهو، ما يسمح بصمودها في حال انشق اليمين الاستيطاني عنها.
التعليقات الإسرائيلية، مع تصريحات شاكيد، مقابل إعلان نتنياهو أنه يوافق على الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني من جهة، وشجب ديوان نتنياهو لتصريحات شاكيد من جهة أخرى والاستعداد غير المشروط الذي تبديه السلطة الفلسطينية، خصوصاً مع تفاقم أوضاع قطاع غزة، توحي بأن جولة ترامب المقبلة، وزيارته للسعودية أولاً، وعقد لقاء قمة مع زعماء عرب فيها قبل وصوله إلى تل أبيب، تظهر أن الهدف الأول هو كسر حالة الجمود وإطلاق عملية مفاوضات إقليمية، تركز على البعد الاقتصادي في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، وتحسين ظروف المعيشة والاقتصاد فيها، من دون أي التزام أميركي واضح بنتائج هذه المفاوضات، أو فرض الحل النهائي والدائم على أساس مبدأ الدولتين. حتى وإن ذكرت الصحف الإسرائيلية أن من شأن ترامب الإعلان، خلال زيارته، عن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة إسرائيل، مقروناً بتبني موقف حل الدولتين. وسيحدث إطلاق هذه المبادرة حالة "انفراج" بين إسرائيل ودول في الخليج العربي، تمكن من الانتقال علناً إلى الحديث عن مواجهة المد الشيعي والخطر الإيراني، بعد أن اقتصر الحديث في هذا الباب على تصريحات متكررة من نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين، تناولت ازدياد التعاون وتعزز المصالح المشتركة بين إسرائيل ودول عربية في الخليج.