أعاد قرار مجلس الشيوخ الأميركي، الذي وافق معظم أعضائه أخيراً على فرض عقوبات جديدة على طهران، إلى الواجهة الجدل بين التيارات السياسية من جديد. وجدد منتقدو الاتفاق النووي مع السداسية الدولية تأكيدهم ضرورة عدم الثقة بالولايات المتحدة، وإن كانت طرفاً في الاتفاق، فيما يراهن المؤيدون على استمراره رغم كل الضغوطات والانتهاكات الأميركية التي قد تجلب لطهران دعماً دولياً، كما يرون.
وصوّت 98 عضواً في مجلس الشيوخ بالموافقة، فيما خالف اثنان فقط، على القرار الجديد الذي يشمل ثلاثة مستويات، وهو ما جعل قرار العقوبات الأوسع والأشمل بحسب بعض المعنيين في إيران. وسيفرض الحظر الجديد عملياً في حال موافقة مجلس النواب، من بعد الشيوخ، ووقعه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عقوبات على المنظومة الصاروخية الباليستية وكل من يرتبط بإيران في هذا الصدد، من شركات وأفراد. ويتعلق الشق الثاني منه بملفي حقوق الإنسان ودعم الإرهاب، وهو ما يجعل "الحرس الثوري" يتعرض لعقوبات مباشرة، وهي المرة الأولى التي تسمي فيها أميركا "الحرس الثوري" كمنظمة ستخضع لعقوباتها بشكل رسمي وكلي، وذلك بعد أن فرضت عقوبات على "فيلق القدس" التابع إلى "الحرس" في عام 2007. أما الجزء الثالث والأخير من القرار الجديد فيرتبط بالتسليح، وكل من يساعد إيران في تجهيز منظومتها وصناعاتها العسكرية، وهو ما يستطيع الرئيس الأميركي أن يفرضه من طرفه وبشكل مباشر على أي كيان.
واعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن قرار مجلس الشيوخ الأميركي كان متوقعاً، ويثبت العداء المتكرر والدائم لطهران. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، بهرام قاسمي، في بيان، إن التجارب الصاروخية الإيرانية دفاعية، ولا تخرق القرار الأممي 2231، الذي يمنع طهران من امتلاك وتجربة صواريخ باليستية تستطيع حمل رؤوس نووية. أما مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، فاعتبر أن العقوبات تأتي في هذا التوقيت للتعويض عن الفشل الأميركي في سورية والعراق، فيما قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي البرلمانية، حسين نقوي، إنها تمثل خرقاً وانتهاكاً واضحاً للاتفاق النووي الذي يمنع فرض أي عقوبات جديدة على إيران، إلا أن الطرف الأميركي يتذرع بأنها عقوبات غير نووية، وهو ما يجعلها لا تخرق الاتفاق.
وركزت كل الصحف الإيرانية، الصادرة أمس السبت، على قرار العقوبات الجديد، الذي ينتظر المزيد من الإجراءات ليدخل حيز التنفيذ العملي. وبدت توجهاتها في التعاطي مع الأمر، وكأنها دخلت في ساحة جدل جديد حول أهمية الاتفاق النووي وانعكاساته. ورأت "وطن أمروز"، المحافظة والأقرب للمتشددين، أن العقوبات الجديدة واسعة للغاية، كونها تشمل مستويات عديدة غير اقتصادية. وقرأت فيها رسالة توجهها الولايات المتحدة إلى إيران وبقية أطراف الاتفاق النووي، مفادها أن واشنطن لا تريد استمرار الاتفاق. واعتبرت أن تطبيق القرار الجديد كفيل بتعطيل الاتفاق النووي عاجلاً أم آجلاً، لأنه سيحد كذلك من التعاملات الاقتصادية مع البلاد، فحتى وإن كانت هذه العقوبات غير مرتبطة بالبرنامج النووي، فإنها ستكون كفيلة بإخافة أطراف عدة من تبعات تعاملها مع إيران. أما صحيفة "جوان" المحافظة كذلك، فعنونت "عقوبات في زمن روحاني أيضاً" في إشارة إلى أن الأمور لم تختلف حتى ببقاء الرئيس المعتدل، حسن روحاني، في منصبه، وهو من توصل إلى الاتفاق وروج لأهميته، واعتبر في المقابل أن المحافظين في إيران يهددون استمراره، كما لم تمنع شعاراته الولايات المتحدة من مواصلة سياساتها العدائية ضد طهران.
من ناحيتها، رأت صحيفة "أفتاب" الإصلاحية أن الاتفاق ما زال حياً. ونقلت عن خبراء سياسيين قولهم إن الحل يكمن في استمرار تعاطي إيران مع الأطراف التي ترغب في استمرار الاتفاق، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي التي تعد جزءاً منه. واعتبرت أن العقوبات الجديدة غير مقلقة. يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها الولايات المتحدة إجراءات من هذا القبيل. وكانت قد فرضت، في فبراير/شباط الماضي، عقوبات على إيران، شملت 25 شخصاً وكياناً على ارتباط ببرنامجها الصاروخي، ومنهم من اتهمتهم بتمويل ودعم الإرهاب، وهو ما رفضته الخارجية والبرلمان الإيراني. وقررت طهران التعامل بالمثل، ففرضت عقوبات على 15 شركة أميركية، ومنعت التعامل معها، بتهمة دعم جرائم الصهيونية والإرهاب ونقض حقوق الإنسان، على حد تعبير المسؤولين الإيرانيين. كما وافق مجلس النواب الأميركي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، على تمديد قانون "داماتو"، وهو ما أقلق إيران على اتفاقها النووي أيضاً. ويمنع القانون، الذي أُقر للمرة الأولى في عام 1996، الشركات من الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني أو التجارة مع هذا البلد بمعدلات تفوق الأربعين مليار دولار، وهو ما يبقي باب الاستثمار الأجنبي في إيران مغلقاً أمام كثر.
وذكرت لجنة الأمن القومي البرلمانية أن أميركا اتخذت 15 قراراً معادياً لإيران منذ التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015، ففرضت عقوبات جديدة أو وضعت عراقيل أمام البلاد. ونقل موقع "تسنيم" عن نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية، كمال دهقان، تأكيده أن البرلمان الإيراني سيبحث قرار العقوبات الجديدة في الثاني من يوليو المقبل، بناء على قانون أقره النواب سابقاً، والذي يسمح لهم بالرد على ما وصفه بالانتهاكات الأميركية المتكررة للاتفاق. وفيما يرى بعض المسؤولين أن فرض العقوبات، وإن لم تكن مرتبطة بالنووي، يتناقض وجوهر الاتفاق كما يصفون، يتشدد آخرون في التعاطي مع الأمر، وهو ما يجعل الانتقادات المتبادلة مستمرة بين المحافظين من جهة والمعتدلين والإصلاحيين من جهة ثانية، الذين ينتقدون أيضاً السياسات الأميركية، لكنهم يعولون على ضرورة استمرار الاتفاق. وتبادلت مواقع إيرانية تصريحات للمرشد الأعلى، علي خامنئي، امتدح خلالها وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، وهو الذي ترأس مفاوضات إيران النووية مع الغرب، واصفاً إياه بالرجل المتدين وصاحب الضمير الحي، مشيراً إلى أنه كتب رسائل إلى الاتحاد الأوروبي أكد فيها نقض أميركا لروح الاتفاق، وحتى لنصه بشكل مباشر. لكن المرشد وجه، في الوقت ذاته، انتقادات مبطنة، قائلاً إنه من غير المفروض الثقة بالأعداء، ولولا التساهل في التعامل معهم لما حدث كل هذا، حسب وصفه. وسيزيد هذا الكلام التصعيد من قبل بعض الأطراف في الداخل، وسيفتح الباب أمام المزيد من الانتقادات للاتفاق.