وفي السياق، أجرت قطر تدريبات عسكرية بالمشاركة مع قوات تركية، يوم الاثنين. وبثت قناة الجزيرة الفضائية التلفزيونية مقطعاً مصوراً لطابور من حاملات الجنود المدرعة يتحرك وسط الشوارع. وذكرت أن قوات تركية إضافية وصلت إلى قطر، يوم الأحد، للمشاركة في التدريبات. غير أن مصادر عسكرية في المنطقة قالت لوكالة "رويترز"، إن العملية تشارك فيها قوات تركية موجودة بالفعل هناك، ولم ترسل تركيا أي وحدات عسكرية جديدة. بدوره، حذر الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية، أكبر الباكر، من أن الحصار المفروض على بلاده "سيترك جرحاً لا يندمل". وخلال مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس" خلال معرض باريس الجوي يوم الاثنين، قال الباكر: "الناس لن تنسى"، متوقعاً تدخلاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب "للتأكد من رفع هذا الحظر في أقرب وقت ممكن.. خاصة أنه يعلم بأننا جزء من تحالفه ضد الإرهاب".
وجاءت المواقف القطرية مع دخول الحملة ضد الدوحة أسبوعها الثالث، وسط إصرار إماراتي ــ سعودي على المزيد من التصعيد، بدليل كلام المتحدث باسم محور أبوظبي ــ الرياض، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، عن أن "العزلة على قطر قد تستمر لسنوات" إذا لم تغير مسار سياساتها "الداعمة للجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وبجماعات إسلامية أخرى في أنحاء المنطقة، بالإضافة إلى علاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)"، على حد تعبيره. وتابع قرقاش، متحدثاً إلى مجموعة صغيرة من الصحافيين في باريس، أن "الوساطة الكويتية ستكون مفيدة جداً وستكون هناك مطالب. قطر ستدرك أن هذا وضع جديد وأن العزلة قد تستمر لسنوات". واعترف الوزير الإماراتي بأن المحور الذي تقوده بلاده لم يتمكن حتى الآن من تحديد لائحة "المطالب" و"الشكاوى"، متعهداً باستكمالها "في غضون الأيام القليلة المقبلة". وختم قرقاش معرباً عن قناعته بأنه "ستكون هناك حاجة لمراقبة أنشطة قطر في المنطقة إذا تراجعت عن مواقفها، والقوى الغربية كفرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة أو ألمانيا يمكنها القيام بالمراقبة، لأن لديهم النفوذ الدبلوماسي والمعرفة التقنية"، في دعوة صريحة لتدويل الأزمة، في تكذيب للإعلانات الرسمية من أبوظبي والرياض عن أن الحل يكمن في داخل مجلس التعاون الخليجي الذي لا يزال غائباً عن السمع منذ بدء الحملة العدائية ضد قطر.
وقد انتهت المهلة التي منحتها السعودية والإمارات والبحرين لمواطنيها لمغادرة قطر، وللقطريين لمغادرة أراضيها في الساعة الثانية عشرة منتصف ليل الأحد ــ الإثنين بالتوقيت المحلي لتلك الدول. وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر (حكومية) قد أشارت في تقريري سابق، إلى أن "ما لا يقل عن 11387 مواطناً من الدول الثلاث المقاطِعة يُقيم في دولة قطر، بينما يُقيم قرابة 1927 مواطناً قطرياً في تلك الدول". وقال التقرير إنَّ ما لايقل عن 13314 شخصاً قد تضرروا بشكل مباشر من قيام السعودية والإمارات والبحرين بقطع العلاقات مع قطر.
على صعيد مناقض للتصعيد السعودي ــ الإماراتي، أعادت تصريحات وزير الشؤون الخارجية في سلطنة عمان، يوسف بن علوي، أمس الاثنين، ومفادها أنه "سيتم حل الأزمة الخليجية قريباً"، إلى الذاكرة تصريحات أخرى له في أغسطس/ آب 2014، قال فيها إن "المشكلات بين السعودية والإمارات والبحرين وبين وقطر حُلّت تماماً، وإن الدول الثلاث ستعيد سفراءها إلى الدوحة". وأضاف، في أعقاب اجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في جدة آنذاك، إن "الأزمة الخليجية حُلّت ببابين مفتوحين"، وهو ما حدث فعلاً بعد أيام من تلك التصريحات، إذ عاد السفراء الثلاثة إلى الدوحة، وطويت صفحة الأزمة التي لم يفسّر بن علوي حديثه عنها إنها "حُلّت ببابين مفتوحين". وقد جاءت تصريحات الوزير، أمس، مقتضبة هذه المرة، ولم تقدم تفسيرات، حيث اكتفى بالرد على سؤال بشأن الأزمة الخليجية لصحيفة أثير الإلكترونية العمانية، خلال مشاركته في تدشين التأشيرة الإلكترونية بالقول "إنها ستحل قريباً"، من دون أن يقدم أي تفاصيل.
ووفق محللين سياسيين خليجيين، فإن التصريحات الجديدة لرئيس الدبلوماسية العمانية المخضرم لا يمكن أن تصدر من دون أن يكون لها في جعبة صاحبها ما يسندها. وقال الإعلامي القطري، جابر الحرمي، إن في هذه التصريحات تفاؤل "وكلنا يعرف أن دبلوماسية سلطنة عمان تلتزم العمل بهدوء، وتعمل من دون ضجيج، وهي تساند بقوة الدور الذي يقوم به أمير الكويت"، لافتا إلى زيارتي بن علوي للكويت والدوحة قبل أيام. وسبق أن أعلنت مسقط دعم جهود الكويت للوساطة في الأزمة الخليجية، وقالت إن هذه الجهود تحظى بدعم كل الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية. ويخشى مراقبون خليجيون من اصطدام هذه الجهود، ونبرة التفاؤل في تصريحات الوزير العماني، بمن يحاول وضع العصا في العجلة، كلما ظهرت بادرة أمل في حلحلة الأزمة، مستدلين على ذلك بالتصعيد الإعلامي الذي تجاوز خطوطاً حمراء عديدة، سواء في وسائل إعلام رسمية خليجية، أو في مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قد أجل زيارة كانت مقررة له إلى المكسيك للتفرغ للأزمة الخليجية واستقبال المعنيين بالملف في واشنطن، إلا أن أي مؤشر لم يظهر بعد في إطار احتمال قيام الدبلوماسية الأميركية بممارسة ضغط حقيقي على الرياض وأبوظبي لوقف حملتهما. وفي واشنطن أيضاً، اعتبر سفير دولة قطر، مشعل بن حمد آل ثاني، إن الحملة ضد بلده "لا تتعلق بالإرهاب، أو قناة الجزيرة أو أي من القضايا الأخرى التي تبرزها الدول المقاطعة، بل الأمر يتعلق باستقلال قطر، والذي يراه البعض تهديداً لهم"، بحسب ما كتب آل ثاني في مقال نشرته، الإثنين، صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية. وتوجه السفير القطري إلى نظيره الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، فقال له "يتعين على السفير العتيبة أن يدرك أن الأمم المتحدة ووزارة الخزانة الأميركية تتهمان أكثر من 10 أضعاف من المشتبه في أنهم إرهابيون أو يمولون إرهابيين من البلدان المقاطعة لقطر مقارنةً بالدوحة ذاتها". وذكره بأن اثنين من أصل المهاجمين الـ19 في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 كانا إماراتيين و15 سعوديين فضلاً عن لبناني وآخر مصري، من دون وجود أي قطري بينهم. وأردف السفير القطري لدى الولايات المتحدة قائلاً إنه "يبدو أن العتيبة أغفل الإشارة إلى تمويل الإمارات للانقلاب العسكري الذي أطاح بأول حكومة منتخبة ديمقراطياً في مصر، فضلاً عن تمويل الانقلابيين الذين حاولوا الإطاحة بالحكومة المنتخبة في تركيا".