على الصعيد الدبلوماسي، عيّن بن سلمان شقيقه الأصغر خالد بن سلمان كسفير للسعودية في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى العكس من سابقيه لا يحمل الأمير خالد أي خبرة دبلوماسية، وهو غير معروف داخل أروقة واشنطن إذ إنه جاء من خلفية عسكرية بحتة.
ولا تستبعد تقديرات بأن السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة، وزير الخارجية الحالي، عادل الجبير، قد لا يستمر في منصبه، نظراً لفشله في إدارة عدد من الملفات، بينها الملف السوري والحملة على قطر. وترجح التوقعات بأن يعين بن سلمان أحد المقربين منه كوزير للخارجية، كما حدث في قرار تعيين شقيقه كسفير في الولايات المتحدة الأميركية.
كذلك أفرغ بن سلمان وزارة الداخلية من ثقلها داخل الدولة، إذ أنشأ "جهاز الأمن الوطني" الذي يتبع الملك بشكل مباشر، ويقوم بعمل جهاز المباحث في وزارة الداخلية، وقام بتنصيب المقرب منه محمد الغفيلي كرئيس له. كذلك استحدث جهاز النيابة العامة كبديل لهيئة التحقيق والادعاء التابعة لوزارة الداخلية. كما عين المتحدث الرسمي باسم الحرب على اليمن، اللواء أحمد عسيري، كنائب لجهاز الاستخبارات العامة السعودي. ومنذ تعيين عسيري، الذي يحمل شهادات عدة من كليات عسكرية فرنسية وبريطانية وأميركية، حصل على انتباه بن سلمان ليصبح أحد رجاله داخل المؤسسة العسكرية في البلاد.
كما كان لافتاً في سلسلة المراسيم الملكية التي صدرت بالتزامن مع تعيين بن سلمان ولياً للعهد، أنه تم تعيين الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف وزيراً للداخلية، مقابل تعيين أحمد بن محمد السالم، نائباً لوزير الداخلية بمرتبة وزير، وسط تساؤلات عن سبب منح السالم مرتبة "وزير".
وعلى الصعيد الإعلامي، جنّد بن سلمان عشرات الإعلاميين للعمل لصالحه أثناء تخطيطه للوصول إلى منصب ولاية العهد، لكن أبرز الإعلاميين المقربين منه هو تركي الدخيل، مدير قناة العربية المملوكة للنظام السعودي.
وبعد وصول الملك، سلمان بن عبدالعزيز، لكرسي الحكم بأسابيع قليلة تم تعيين الدخيل كمدير لقناة العربية، ومستشار إعلامي للملك وحلقة وصل بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي.
وتخرج تركي الدخيل من قسم أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، لكنه تحول إلى صحافي مقرب من النظام في ما بعد، وساهم في تأسيس قناة العربية وعدد آخر من الصحف المحسوبة على النظام السعودي.
بدوره، يعد سعود القحطاني، المستشار في الديوان الملكي، أحد مخططي السياسات الإعلامية لمحمد بن سلمان داخل وخارج المملكة، ووصف القحطاني من قبل أحد رؤساء تحرير الصحف السعودية، تركي الروقي، بأنه "رجل يسيء استخدام السلطة ويتعسف ويرضي بها ذاتاً غير سوية داخله، وأنه يقوم بدور وزير الإعلام الخفي بالسعودية، وأحياناً مدير المباحث ورئيس الاستخبارات، وأحياناً يقوم بما تقوم به شبكات العلاقات الأجنبية الموجهة ضد الداخل السعودي".
وذاع صيت القحطاني كمتحدث شبه رسمي باسم محمد بن سلمان في الحرب الإعلامية المفتعلة، التي شنها محور الرياض – أبو ظبي ضد قطر، إذ وجه القحطاني عدداً من الرسائل البذيئة والتهديدات ضد قطر والدول الخليجية المحايدة، فيما تبدو توجهات بن سلمان السياسية والإعلامية جلية، فإنه يحاول انتهاج سياسة جديدة في التعامل مع التيارات الدينية داخل السعودية، خصوصاً تيار "الصحوة" أو الإسلام الحركي، والذي يجمع بين تعاليم المصلح الديني الذي قامت على يده السعودية، محمد بن عبدالوهاب، وتأثيرات الحركات الدينية الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون.
واعتقل بن سلمان العشرات من رموز التيار الصحوي، وعلى رأسهم عبدالعزيز الطريفي وإبراهيم السكران وسليمان الدويش.
ويعتمد بن سلمان في خطة "الإصلاح الديني" التي ينتهجها على عدد من شيوخ الدين، أبرزهم خطيب المسجد النبوي والداعية المشهور، صالح المغامسي، الذي يعتمد عليه ولي العهد السعودي في سبيل تقديم خطاب ديني جديد، متسامحاً مع التيارات الليبرالية والعلمانية التي يراها تيار "الصحوة" كعدو.
وعلى الرغم من حصول بن سلمان على مباركة هيئة كبار العلماء، وعلى رأسهم رئيسها الشيخ صالح آل شيخ، والشيخ صالح الفوزان، فإن بن سلمان يخطط في سبيل تحجيمها، أو تغيير أعضائها والتخلص ممن يراهم متشددين فيها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن بن سلمان ينتهج سياسة نيوليبرالية، تنص على خصخصة قطاعات الدولة وعلى رأسها القطاع النفطي، وفرض الضرائب على المواطنين السعوديين لخلق سوق مفتوحة. واستطاع بن سلمان تنحية وزير الطاقة السابق، علي النعيمي، وتنصيب رئيس شركة أرامكو، خالد الفالح، كوزير للطاقة.
ويعتمد بن سلمان على الفالح كرجل رئيسي في خطة خصخصة شركة أرامكو، خصوصاً أن فكرة خصخصة الشركة كانت من الفالح الذي أقنع بن سلمان بإدراجها في رؤية 2030.
ويمتلك الفالح شهادة البكالوريوس في الهندسة من الولايات المتحدة الأميركية. كما يمتلك ماجسيتر إدارة أعمال من جامعة الملك فهد للمعادن والبترول، مما يجعله الرجل المناسب لطرح أرامكو في الأسواق العالمية.
في موازاة التحديات الداخلية، تنتظر بن سلمان العديد من المعوقات في السياسة الخارجية بسبب تنحيته للعديد من رجال الخبرة داخل المؤسسة السعودية لمحسوبيتهم على أمراء آخرين من الأسرة المالكة.
ففي الخليج افتعل بن سلمان حرباً دبلوماسية وإعلامية شعواء ضد قطر، في محاولة لبسط نفوذه وهيمنته على السياسات الخارجية القطرية. كما أن وسائل الإعلام المقربة منه قد لمحت لحرب أخرى قد تشنها على الكويت وعمان بسبب موقفهما المحايد من الأزمة.
ويعرف بن سلمان جيداً خطورة الموقف خصوصاً في ظل رفض قطر القاطع أي مفاوضات على قراراتها السيادية، ووقوف أمير الكويت الشيخ، صباح الأحمد الصباح، ضد حصار قطر.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، فإن بن سلمان على عكس سابقيه لم يتأثر بموجة الانتفاضات الفلسطينية ودعم المقاومة ضد الكيان الصهيوني، بل على العكس من ذلك فقد عقد مفاوضات عدة من قنوات خلفية مع إسرائيل. كما أنه طالب قطر بطرد قيادات حماس الموجودين لديها، ويضغط على الكويت لوقف تمويل الجمعيات الخيرية فيها لغزة.
ومن المنتظر أن يتوسع بن سلمان، بعد استقرار الأمور في الداخل السعودي لصالحه، في عقد مزيد من الاتفاقيات التطبيعية مع إسرائيل والسعي للقضاء على حركة حماس وبقية الحركات المقاومة في قطاع غزة المحاصر. ولم تخف الصحف الإسرائيلية مدى الارتياح لوصوله إلى الحكم، بما في ذلك وصف محرر الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي برئيل، وصول بن سلمان إلى منصب ولاية العهد بأنه "بشرى سارة لإسرائيل".
وعلى عكس الاحتفاء الإسرائيلي بوصول بن سلمان لمنصب ولي العهد، لا يبدو الاتحاد الأوروبي مرتاحاً للتطورات، خصوصاً ألمانيا التي تشهد علاقتها مع السعودية فتوراً بعد الزيارة الفاشلة لوزير الخارجية عادل الجبير لها أثناء محاولته الحشد ضد قطر.
ويرى الاتحاد الأوروبي في بن سلمان صورة للاندفاع والارتجال في القرارات السياسية، ويمكن أن تكون له تداعيات كارثية.
في موازاة ذلك، يحتفظ بن سلمان بعلاقات جيدة مع روسيا، وأثناء جولاته المتعددة زارها والتقى بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وبالرغم من أسباب الزيارة الظاهرة وهي التعاملات الاقتصادية بين البلدين، لم تغب الملفات السياسية.
كما يعتبر البعض أن زيارة ترامب للسعودية كانت فرصة حقيقية لتعبيد الطريق بشكل نهائي أمام تعيين بن سلمان كولي للعهد، والحصول على موافقة أميركية لعزل بن نايف.
يبقى أن تواصل بن سلمان مع الإدارة الأميركية، في شقها الممثل في وزارتي الدفاع والخارجية، قد لا يكون سلساً في ظل الأزمة القطرية وعزل الأمير المقرب في محاربة الإرهاب من دوائر الاستخبارات الأميركية، وقلة خبرة السفير السعودي في واشنطن.