دخلت قضية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير منعطفاً جديداً مع مصادقة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، مساء الأحد، قبل ساعات من عيد الفطر، على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وإصدارها رسمياً. والخطوة لم تكن مفاجئة بحد ذاتها، بل تؤكد ما نشرته "العربي الجديد" مطلع الشهر الحالي بشأن اتجاه السيسي ودائرته لإنهاء إجراءات هذا الملف تماماً قبل عيد الفطر. ويريد النظام المصري استغلال حالة التردي الاقتصادي وانشغال المواطن المصري بفترة شهر رمضان والأعياد لتمرير الاتفاقية من دون مشاكل جماهيرية أو حشد ميداني، حتى لا تتكرر التظاهرات الواسعة التي حدثت عقب التوقيع على الاتفاقية في إبريل/نيسان من العام الماضي.
ويشير المصدر إلى أن المحكمة الدستورية لم تفصل حتى الآن في اتفاقية أحالتها إليها محكمة القضاء الإداري عام 2013، وهي تتعلق بـ"الاتفاق الإطار" بين مصر والاتحاد الأورو-متوسطي الذي كان يقضي بإمكانية توطين مواطني دولة طرف ثالث غير مصر والاتحاد على الأراضي المصرية. وهذا الاتفاق كان أبرم في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وأقره مجلس الشعب، وتداولت وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية آنذاك معلومات عن احتمالية استغلاله في توطين الفلسطينيين على أراضي سيناء في إطار حل نهائي للقضية الفلسطينية، أو على الأقل منح أعداد كبيرة من مواطني فلسطين حق الإقامة الدائمة في مصر مقابل منح دعم مالي للقاهرة.
ويؤكد المصدر أن المحكمة الدستورية ليست ملزمة بالفصل في قضاياها خلال وقت معين. لكنه يرى أن سرعة المحكمة في اتخاذ قرار بوقف تنفيذ جميع الأحكام المتناقضة من مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة في القضية "يعكس اتجاه المحكمة غير المقتنع بحكم بطلان التنازل عن الجزيرتين، كما يعكس تناغماً في المواقف بينها وبين النظام في الوقت الحالي، على عكس فترات سابقة لم تكن المحكمة فيها على وفاق مع النظام السياسي، أو تتسم العلاقة بينهما بالبرود"، على حد تعبيره. ويكشف عن أن الدائرة الشخصية للسيسي تستفيد من العلاقة القوية بين وزير العدل، حسام عبدالرحيم، المعروف بصداقته لشقيق السيسي القاضي أحمد السيسي، وبين رئيس المحكمة الدستورية، عبدالوهاب عبدالرازق، بحيث يتم التنسيق سياسياً بشأن توقيت صدور قرارات المحكمة وتحريك القضايا أو تجميدها. وأكد أن هذه العلاقة أثمرت حتى الآن عدداً من القرارات المتعاقبة التي تعكس تنسيقاً متقدماً بين النظام والمحكمة الدستورية، وفق المصدر.
ويسرد المصدر المصري في هذا السياق، أمثلة عدة؛ فعلى التوالي، أصدرت المحكمة الدستورية، بحسب قول المصدر، قرارات بإعادة قضايا التحفظ على أموال جماعة "الإخوان المسلمين"، والطعن على قانون العقود الإدارية، والطعن على قانون الطوارئ، إلى هيئة مفوضي المحكمة بحجة استكمال تحضيرها ووجود مستجدات تقتضي إعادة بحثها، على الرغم من انتفاء هذه المبررات عملياً. ويضيف أن ذلك أدى إلى تجميد هذه القضايا التي سيؤدي صدور الأحكام فيها إلى حرج بالغ للحكومة، لا سيما في ما يتعلق بملف أموال جماعة "الإخوان"، والتي امتنعت المحكمة الدستورية عن الفصل فيه. ولفت إلى أن هذه المحكمة تركت هذا الملف عرضةً لاستمرار تناقض الأحكام بين مجلس الدولة ومحكمة جنايات القاهرة، انتظاراً لفصل محكمة النقض في عدد كبير من قرارات الإدراج على قائمة الإرهاب.
وفي السياق، يقول مصدر حكومي مصري إن حصر المواجهة القانونية في قضية تيران وصنافير داخل المحكمة الدستورية أمر مريح للحكومة، لكنه في الوقت ذاته مقلق على المدى الطويل. ويشرح رأيه هذا بقوله إن الأوضاع السياسية إذا تغيرت، أو إذا تولى أحد القضاة المعروفين باستقلال رأيهم، رئاسة المحكمة قريباً، فمن شأن ذلك أن يطرح احتمالات صدور حكم مستقبلي ببطلان الاتفاقية، وهو ما سيضع النظام السياسي كله في مأزق حرج.
وعن احتمالات استغلال أي حكم مقبل سواء من المحكمة الدستورية أو من مجلس الدولة، في المطالبة بإعادة الجزيرتين إلى مصر، يؤكد المصدر الحكومي أن الأمر كله مرتبط باستمرار النظام السياسي، واستمرار تبعية القاهرة للرياض سياسياً واقتصادياً. ويوضح أن لا قيمة لأي حكم طالما استمر الوضع كما هو، مع ملاحظة أن موافقة مجلس النواب – وهو السلطة التشريعية المنتخبة – على تسليم الجزيرتين، سيعقّد موقف المطالبة مستقبلاً باستعادة الجزيرتين، لأن التحكيم الدولي لا يكترث عادةً لادعاء النظم السياسية بحدوث مخالفة قانونية من قبل الأنظمة السابقة في المعاهدات التي أبرمتها طالما وافقت السلطة التشريعية عليها.
لكن المصدر يلفت إلى أنه "لا يمكن الجزم بأن هذا الوضع سيستمر للأبد، فمن الممكن تغير موازين القوى في أي لحظة، خاصةً إذا لم تقد التحركات السياسية الجارية بين مصر والسعودية وإسرائيل وأميركا إلى التغير المنشود في خارطة المنطقة بتقارب أكبر بين العرب وإسرائيل على حساب الفلسطينيين، لكن في كل الأحوال سيكون استرداد الجزيرتين صعباً لا سيما بالطرق القانونية"، وفق اعتقاده.
وعن الإجراءات المقبلة لتنفيذ الاتفاقية، يوضح المصدر أن "السيسي طلب من الرياض قبل عدة أشهر عدم اتخاذ أي إجراءات علنية في نقل تبعية الجزيرتين كإنزال الأعلام ورفعها، لعدم استفزاز مشاعر المصريين والحفاظ على استقرار حكمه، وأن الرياض لم تطلب العكس حتى الآن رسمياً، على الرغم من وجود تقديرات إعلامية بإجراء احتفال سعودي مطلع الشهر المقبل". ويستدرك قائلاً إن الإجراءات الأمنية والعسكرية قد اتخذت بالفعل منذ فترة في إطار إعادة تمركز القوات المصرية والدولية في مضيق تيران.
ويؤكد المصدر أن هناك اتجاهاً في الحكومة لتأجيل اتخاذ قرارات رفع أسعار الكهرباء وتخفيض دعم المحروقات والذي كان من المقرر اتخاذه في شهر يوليو/تموز المقبل إلى أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول، لتهدئة الرأي العام وامتصاص غضب المواطنين عبر تفعيل قرارات زيادة المعاشات والعلاوات الحكومية، حتى لا تتراكم أسباب غضب الشارع في وجه النظام.
ونجح السيسي من خلال الإسراع في مناقشة وتمرير الاتفاقية ثم المصادقة عليها خلال النصف الأخير من شهر رمضان، في محاصرة الغضب الشعبي وعدم السماح بخروج تظاهرات ضخمة ضد التنازل عن الجزيرتين، ودعم موقفه بالتقرب إلى وزارة الداخلية وتحفيزها على التشدد في مواجهة التظاهرات من خلال القبض العشوائي على المواطنين مساء 14 يونيو/حزيران الحالي، عقب إقرار الاتفاقية ثم القيام بعمليات مداهمة لمنازل مئات الناشطين والقبض على عدد منهم قبل أيام من عيد الفطر.