مرة أخرى، يخلط الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، أوراق اللعبة، ويصدر قراراتٍ مفاجئة، أطاحت ثلاثة من رؤساء محافظات شرقية، أبرزها حضرموت.
وعلى الرغم من كون القرارات استهدفت حلفاء الإمارات العربية المتحدة، فإن البديلين، أو محافظ حضرموت على الأقل، من المحسوبين بقوة على أبوظبي، ومثلت القرارات ضربة موجهة وكبيرة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، ومن شأنها أن تدعم خصوصية "حضرموت" بعيداً عن الشمال والجنوب، ما لم يأتِ الرد بتصعيد يقلب الطاولة، كما حصل بعد قرارات إبريل/نيسان الشهيرة، وأبرزها إقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي.
وعلى الرغم من كون القرارات استهدفت حلفاء الإمارات العربية المتحدة، فإن البديلين، أو محافظ حضرموت على الأقل، من المحسوبين بقوة على أبوظبي، ومثلت القرارات ضربة موجهة وكبيرة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، ومن شأنها أن تدعم خصوصية "حضرموت" بعيداً عن الشمال والجنوب، ما لم يأتِ الرد بتصعيد يقلب الطاولة، كما حصل بعد قرارات إبريل/نيسان الشهيرة، وأبرزها إقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي.
وسادت حالة من الغموض والترقب خلال الـ24 ساعة الماضية، بعد صدور القرارات، إذ أكدت مصادر سياسية يمنية قريبة من "المجلس الانتقالي الجنوبي"، لـ"العربي الجديد"، أن القرارات كانت صادمة وغير متوقعة، مستبعدة أن تكون أبوظبي على علم بها، معتبرة أنها تأتي في إطار القرارات التي تستهدف نفوذ الإمارات؛ إن لم تكن ضمن خطوات تعقبها ترتيبات متفق عليها بين الأطراف، غير أن الموقف السعودي ظل اللغز في أغلب التساؤلات، التي تستبعد أن يكون هادي قد تجاهل السعودية وقام بالتغييرات دون علمٍ منها.
الجدير بالذكر، أن المحافظين الثلاثة المستهدفين بالإقالة هم أعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تشكل في 11 مايو/أيار الماضي من 26 عضواً، ويتبنى فصل الجنوب عن الشمال، وأبرز المستهدفين من القرارات، هو محافظ حضرموت (كبرى المحافظات اليمنية ومركز المحافظات الشرقية)، اللواء أحمد سعيد بن بريك، والذي كان ورود اسمه في أعضاء "المجلس الانتقالي"، أمراً مفاجئاً ومخالفاً لتوجهات سابقة عُرف بها، كانتقاد الحراك الجنوبي، لكنه قبل أيام من إعلان "الانتقالي"، توجه بزيارة غير معلنة إلى أبوظبي، ويبدو أنها ساهمت بإقناعه، إلى جانب المحافظين الآخرين، بالانضمام للمجلس.
وبعد إعلان "الانتقالي"، خرجت أصوات حضرمية غاضبة من الخطوة التي أقدم عليها المحافظ بالانضمام لـ"المجلس الجنوبي"، في حين أن التوجه "الحضرمي"، الذي يتبناه "مؤتمر حضرموت الجامع"، هو "حضرموت" بعيدة عن كلٍ من الشمال والجنوب.
ومع الانتقادات، غادر المحافظ إلى أبوظبي ومكث فيها أكثر من أسبوع، قبل أن يعود، وتحدّث مصدر في مكتبه بتصريح شهير أنه يواجه ضغوطاً تدفعه نحو الاستقالة، قبل أن يتوجه منذ أسابيع إلى الرياض بدعوة من الديوان الملكي، وقد قيل حينها إن الدعوة شملت أيضًا، محافظ سقطرى، سالم عبدالله السقطري (أقاله الرئيس اليمني بقرارات فجر الخميس)، وكذا محافظ شبوة أحمد حامد لملس (أُقيل أيضاً)، وأخيراً محافظ المهرة، محمد عبدالله كدة.
وطالت إقامة محافظ حضرموت في السعودية، ليأتي قرار إقالته مع محافظي شبوة وسقطرى (لملس والسقطري على التوالي)، وهذه الإقالة تعني عقاباً على "المجلس الانتقالي"، ولكنه يختص في الجزء الشرقي المُسمى "إقليم حضرموت"، وفي هذه الجزئية بالذات، يمكن اعتبار القرارات في إطار مسألة الصراع حول هوية ومستقبل الجنوب اليمني، إذ يسعى جنوبيو الانفصال، أو "المجلس الانتقالي"، إلى أن يكون الجنوب والشرق اليمني دولة كما كان عليه الوضع قبل توحيد اليمن عام 1990، ولكن مع إضافة اعتماد نظام فيدرالي يحاول إرضاء الحضارمة بـ"الحكم الذاتي"، في إطار دولة جنوبية (أو حتى إقليم جنوبي).
في المقابل، يأتي الرأي الآخر، وهو الحضرمي المتشدد، ممثلاً بـ"مؤتمر حضرموت الجامع"، والذي يتحدث عن حضرموت كهوية وإقليم، وفقاً للتقسيم الفيدرالي المقترح لليمن إلى ستة أقاليم، وبالتالي دعم الرؤية التي تتبناها الحكومة الشرعية بتقسيم البلاد إلى أقاليم، ولكن بشروط تجعل من حضرموت "دولة" في الأمر الواقع.
ولعل من أبرز ما يدفع بعض الحضرميين للتمسك بالأقاليم؛ هو أن التقسيم المقترح يجعل أكثر من نصف مساحة اليمن، حيث تتركز الثروة، تحت مسمى "إقليم حضرموت"، والقرارات إذ أبعدت محافظي هذا الإقليم المنضمين لـ"المجلس الجنوبي"، وأبقت محافظين اثنين منضمين للمجلس في إطار ما يسمى "إقليم عدن"، وهم محافظا لحج والضالع، يجعلها بطريقة أو بأخرى تدعم توجه الأقاليم على حساب جنوب وشمال.
وعلى الرغم من أن القرارات استهدفت حلفاء الإمارات، فإن المحافظ المُعيَّن لحضرموت، اللواء فرج سالمين البحسني، هو أيضاً من حلفاء الإمارات ويشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الثانية ومقرها المكلا، حيث "قوات النخبة الحضرمية"، التي تأسست بدعم وإشراف أبوظبي، وقد نص قرار هادي على تعيين البحسني، محافظاً لحضرموت، مع بقائه قائداً للمنطقة العسكرية الثانية، فيما جرى تعيين علي بن راشد الحارثي محافظاً لشبوة، وهو وكيل سابق في المحافظة، وعُين أحمد عبدالله علي السقطري، محافظاً لسقطرى، التي يصفها بعضهم بأنها أصبحت تحت وصاية مباشرة من الإمارات.
من جهة ثانية، تمثل القرارات ضربة قاسية لـ"المجلس الانتقالي"، الذي نشأ بدعم من أبوظبي في مايو/أيار الماضي، إذ إن صدور القرارات، في الأصل، يعني بقاء الحكومة الشرعية صاحبة القرار، وبالتالي فإن "المجلس" الذي جعل مهمته تمثيل الجنوب وإدارته، عاد خطوات إلى الوراء، وقد وصف مصدر مقرب من المجلس لـ"العربي الجديد"، قرارات هادي بأنها "استباقية" لخطواتٍ كان من المقرر أن يتخذها المجلس في الفترة القادمة.
وكان صوت "المجلس الجنوبي" قد بدأ بالخفوت والتراجع، منذ مغادرة كل من رئيسه عيدروس الزبيدي ونائب رئيسه، هاني بن بريك، بعد يوم واحد من إعلان المجلس إلى السعودية في زيارة استمرت أسبوعاً وانتقلا عقبها إلى أبوظبي، ومنذ ذلك الحين، فشلا في العودة، ما يعكس التباينات الحاصلة في الداخل الجنوبي وبين أبوظبي والرياض، وقد وصف هاني بن بريك القيادي السلفي المثير للجدل والمقرب من أبوظبي، القرارات التي أصدرها هادي (ضمناً) بأنها "جزاء سنمار"، وقال في تغريدة على صفحته الشخصية "جزاء سنمَّار للجنوبيين لن يكون مطلقاً، فهناك سنمَّار في كل بيت جنوبي، فسرّ النصر ليس عند أشخاص معدودين حتى يتخلص منهم؛ السر عند شعب بأسره".
إلى ذلك، وفي سياق الأبعاد المتعلقة بالقرارات، فقد ربطها متابعون بعودة خالد بحاح، النائب السابق للرئيس، إلى حضرموت منذ يومين، إذ ذهبت بعض التحليلات التي رصدتها "العربي الجديد"، إلى أن القرارات تمهيدٌ لترتيبات قادمة قد تصل إلى تغييرات في هرم الشرعية، كتصعيد بحاح نائباً، أو تعيينه لـ"إقليم حضرموت"، فيما ذهبت تفسيرات أخرى، إلى أن قرارات هادي التي تستهدف حلفاء الإمارات، جاءت رداً على إعادتها لخالد بحاح الذي وصل إلى المكلا منذ أيام.
وتتفق غالبية التوقعات والتعليقات من اليمنيين، على أن الأيام والأسابيع القادمة ستكون حاسمة، إذ إن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، بات معنياً برد أو خطوة من نوع ما، تثبت أنه لا يزال في حيز الوجود، كما أن أبوظبي، وفي حال كانت القرارات من دون علمها، ستتجه لخطوات ترد فيها، كما فعلت بعد إقالة محافظ عدن الزبيدي في إبريل/نيسان الماضي، حينما دعمت تأسيس "المجلس الانتقالي الجنوبي".