وأكدّت هيئة "الحقيقة والكرامة"، أنّ تونس عرفت خلال الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها البلاد بالعهدين السابقين، منذ الاستقلال عام 1956، وحتى اندلاع الثورة في يناير/ كانون الثاني 2011، 36 موعداً انتخابياً؛ منها 9 انتخابات رئاسية، و12 تشريعية، و13 بلدية، واستفتاء واحداً.
وأوضحت أنّه تم اعتماد نظام قوائم الأغلبية في دورة واحدة، مع منع أي مزج بين مرشحي القوائم المتنافسة، ما أدى إلى إقصاء أي شخصيات سياسية غير موالية للسلطة، مضيفة أنّ هذا الخيار أنتج نمطاً انتخابياً امتد على مدى نصف قرن، وهيئات خالية من أي مشاركة من المعارضة أو الوجوه المستقلة، ما أدى إلى حرمان التونسيين من ممارسة سيادتهم.
وهيئة "الحقيقة والكرامة"، هي هيئة حكومية تونسية مستقلة، تأسست في عام 2014، ومهمتها الرئيسية الإشراف على مسار العدالة الانتقالية في تونس بعد الثورة، والكشف عن مختلف الانتهاكات في الفترة بين 1955 و2013، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، لتحقيق المصالحة الوطنية.
وخلال مواكبته لجلسة هيئة "الكرامة والحقيقة"، قال نجيب مراد القيادي في "حركة النهضة"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تونس شهدت تزوير الانتخابات طيلة عشرات السنين، خاصة في الثمانينيات من القرن الماضي، لأنّ حركة الديمقراطيين الاشتراكيين فازت في انتخابات 1981"، مضيفاً أنّ "القوائم المستقلة التي ساندتها حركة النهضة في 1989، فازت أيضاً بالانتخابات، وخاصة في عدد من الدوائر؛ في بن عروس وسوسة والمنستير، ولكن تم تزويرها".
وأمل مراد أن "يعترف المرتكبون بكيفية تزويرهم للانتخابات لكشف الحقيقة، ولكي لا تتكرر الممارسات التي حصلت في الماضي، خاصة أنّها كانت تتم ضد إرادة الشعب"، واصفاً جلسة الاستماع العلنية لهيئة "الحقيقة والكرامة" بأنّها "هامة، وستكون خطوة نحو قطع الطريق أمام أي جهة سياسية تفكر في تزييف إرادة الشعب".
من جهته، قال النائب والأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "كشف الحقيقة من شأنه أن يقطع الطريق أمام هذه الممارسات والتجاوزات"، مضيفاً أنّ "الفترة التي برز فيها تزييف الانتخابات كانت في العام 1981"، مشدداً على أهمية "أن يعرف الرأي العام الحقيقة وأن يحاسب المجرمون ومقترفو التزوير".
ورأى المغزاوي أنّ تونس "كانت لتعيش ديمقراطية حقيقية منذ الاستقلال ،1956 ولكن تم حرمان الشعب من حقه في الاختيار"، معتبراً أنّ "تونس لا تزال تمر بتجاذبات سياسية، والتحلّي بالوعي السياسي يبقى دائماً ضرورياً، لأنّه الضمانة الحقيقية لمنع عودة هذه الممارسات".
واستهلّت الشهادات العلنية، بشهادة إدريس قيقة وزير الداخلية بين عامي 1980 و1984، والمعروف أيضاً بانتمائه إلى الحزب "الحر الدستوري الجديد" في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة.
وقال قيقة، إنّ "تونس فوّتت على نفسها أشواطاً هامة ومفصلية من الديمقراطية، لو أنّه لم يتم تزييف إرادة الشعب"، متهماً "بعض الشخصيات منها الوزير الأول المتوفى محمد مزالي، وعدة محافظين بتزوير الانتخابات".
وأضاق قيقة أنّ "وزير الداخلية كان آنذاك يكتفي بإعلان النتائج التي ترد عليه من المعتمديات والمحافظات"، محاولاً تبرئة نفسه من أي دور قد يكون لعبه في تزوير الانتخابات، رغم أنّ بعض الشهادات اعتبرت وزير الداخلية مسؤولاً في تلك الفترة.
من جهته، قال مهذب الرويسي والي تونس في بداية الثمانينيات، أثناء عرض شهادته العلنية، إنّ الوزير الأول كانت له سلطة كبيرة، خاصة أنّه يشغل أيضاً منصب كاتب عام الحزب، معتبراً أنّ "الزعيم الحبيب بورقيبة لم يكن ليقبل من يزاحمه في الانتخابات وفي الحياة السياسية".
وأوضح الرويسي، أنّه صارح الرئيس بورقيبة بأنّ المعارضة بدأت تكتسب بعض النتائج، مبيّناً أنّ "زوجة الرئيس بورقيبة، وسيلة بورقيبة، كانت المشرفة على الشأن السياسي، وكان لها دور هام في الانتخابات، وإدارة الشأن السياسي من وراء الستار".
وكشف أنّ "زوجة بورقيبة كانت تتابع القوائم المنافسة، بينما يتم إعداد قوائم وهمية لإيهام الرأي العام بوجود قوائم مزاحمة ومنافسة للرئيس".
وقال محمد بنور القيادي الحالي في "حزب التكتل"، والمرشح سابقاً عن قائمة "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين"، إنّ "الحركة تقدّمت في عام 1981، بـ23 قائمة انتخابية ماعدا ولاية المنستير، ولكن العراقيل والصعوبات بدأت منذ مرحلة تسجيل الناخبين واتهام المعارضين بتسجيلهم".
وذكّر بأنّ "عمليات الترهيب والاعتداء الجسدي وصلت إلى حد اللجوء إلى العنف، والتهديد بالقتل من قبل ميليشيا الحزب الحاكم"، مؤكداً أنّه "تم في يوم الانتخابات تخويف المندوبين عن قوائم حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وإجبارهم على أخذ بطاقات حمراء فقط، وهو ما دفع المؤسس والأمين العام للحركة أحمد المستيري، إلى سحبهم".
وأضاف أنّه "رغم تقديم طعن في نتائج الانتخابات، تم رفض جميع الطعون ورفض تشكيل لجنة للتقصي في التجاوزات آنذاك".
وكانت رئيسة هيئة "الحقيقة والكرامة" سهام بن سدرين، قد قالت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ اختيار موضوع تزوير الانتخابات مبرمج في جدول أعمال الهيئة منذ عدة أشهر، وإنّه تزامن صدفة مع عملية التسجيل، للانتخابات البلدية، المزمع إجراؤها في ديسمبر/ كانون الأول، معتبرة أنّ "هذا التزامن قد يكون جيداً ليساهم في المزيد من توعية التونسيين، بحقوقهم وبالتجاوزات التي وقعت، ليكونوا أكثر يقظة، وليساهموا في عملية الانتقال الديمقراطي".