"وفاة اللاجئين ناتجة عن مشاكل صحية مُختلفة". هذه هي الخلاصة التي انتهى إليها التحقيق المُفترض في حادثة مقتل لاجئين سوريين كانوا قيد التوقيف في مراكز الجيش اللبناني، إثر العملية الأمنية التي نفذها الجيش في بلدة عرسال، على حدود لبنان الشرقية مع سورية، وأسفرت عن مقتل طفلة لاجئة وجرح 7 عسكريين وتفجير 5 انتحاريين أنفسهم وتوقيف 400 لاجئ.
الإعلان عن هذه النتيجة التي تجاهلت تقارير محلية ودولية حللت صور الضحايا التي تم تسريبها سراً قبيل دفنهم بشكل سريع في البلدة، تم اليوم، الإثنين، مع إعلان "الوكالة الوطنية للإعلام" أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، تسلم تقرير اللجنة الطبية التي كشفت على جثث السوريين الأربعة الذين قُبض عليهم في منطقة عرسال، وتبين أن "وفاتهم ليست ناتجة عن أعمال عنف"، كما ورد في التقرير، وأن سبب الوفاة ناتج عن مشاكل صحية مختلفة لكل منهم.
ويأتي هذا الإعلان في تكرار لادعاء الجيش أن "تفاعل الأحوال المناخية مع الأوضاع الصحية السيئة لموقوفين أدت لوفاتهم"، وذلك في تجاهل لواقع إجبار اللاجئين على الانبطاح تحت أشعة الشمس في المنطقة الجردية لساعات طويلة بانتظار نقلهم إلى مراكز الجيش للتحقيق، وتجاهل للصور التي تم تسريبها للجثث وتظهر علامات تعذيب.
ولم يترك تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" مجالاً للتشكيك في مصداقية الصور بعد أن عرضتها المنظمة على "طبيب لديه خبرة في توثيق التعذيب، عاين صور 3 رجال قدمها محامو العائلات للمنظمة، وأظهرت كدمات وجروحاً منتشرة بكثرة".
كما أكد الطبيب هومر فينترز، مدير البرامج في منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، والذي لديه خبرة في توثيق التعذيب، أن "الصور تكشف عن صدمات جسدية واسعة النطاق في الأطراف العلوية والسفلية".
وتابع "يشير غياب الجروح الدفاعية إلى أن هذه الإصابات وقعت حين كان الضحايا مقيدين أو عاجزين لأسباب أخرى، وأن توزّع هذه الإصابات يتناسب مع الأذى الناجم عن التعذيب البدني. تشير العديد من الصور إلى أن التمزقات ناجمة عن التعليق من المعصمين".
وأوضحت المنظمة أنها تحدثت مع 5 معتقلين سابقين من الذين قالوا إنهم احتُجزوا دون تهمة من 4 إلى 5 أيام، وأضافوا أن الجنود قيدوا أيديهم وغطوا رؤوسهم بقمصانهم، ووضعوهم على الأرض تحت الشمس، وضربوا أو داسوا على أي شخص يرفع رأسه.
وقال أحدهم: "حركتُ رأسي قليلاً، فضربني جندي على الفور بحذائه على رأسي". وبحسب تقرير الطبيب الذي نشرته "رايتس ووتش"، فإن "أي بيان مفاده أن وفاة هؤلاء الأفراد أسبابها طبيعية لا يتفق مع هذه الصور".
كما أشارت المنظمة الإنسانية إلى توالي التقارير عن وفاة موقوف خامس تحت التعذيب، في حين أن أهالي بلدة عرسال يؤكدون دفن 10 جثامين للاجئين كان الجيش أوقفهم وتظهر عليها جميعاً علامات تعذيب.
وكانت محامية عدد من أسر الضحايا، ديالا شحادة، قد أكدت تعرضها لضغوطات وترهيب من أجل التخلي عن عينات من الجثث كانت بصدد تسليمها لأحد المستشفيات الخاصة في بيروت لإجراء فحصوات تحدد أسباب الوفاة.
وبالفعل تمكن عناصر من جهاز استخبارات الجيش من مصادرة هذه العينات بضغط من المدعي العام التمييزي، سمير حمود، الذي اعتبر أن التحقيق في هذا الملف هو من اختصاص القضاء العسكري.
وفي تعليق من "مؤسسة طريف وشحادة" الحقوقية، لـ"العربي الجديد"، على نشر خلاصة التقرير، اعتبرت المؤسسة أن "اجتزاء التقرير وعدم نشره كاملاً مع تسليم نسخ عنه لعائلات الأسر المُتضررة يُشكل خرقاً لمبدأ الشفافية ويضر بمصالح عائلات اللاجئين الذي قضوا".
وأكدت المؤسسة أنها "تنتظر بت نقيب المحامين بطلب خطي تقدمت بها باستخدام الإعلام كمنبر للحديث عن قضية موت اللاجئين عملاً بالنظام الخاص بالنقابة الذي يمنح المحامين حق التحدث عن قضاياهم في حال كانت ذات طابع عام، وهي الحالة في قضية موت اللاجئين الموقوفين". مع الإشارة إلى أن نقيب المحامين كان منع شحادة من التصريح لوسائل الإعلام، بعد التحقيق معها في مجريات مصادرة استخيارات الجيش لعينات الجثث.
معاملة مختلفة
ورغم أن توالي المطالبات بتحقيق شفاف ونتائج واقعية في مقتل اللاجئين الموقوفين لم يلق تجاوباً من السلطات القضائية والسياسية والعسكرية في لبنان، إلا أنها شكلت ضغطاً كافياً لتبديل معاملة الجيش للاجئين خلال معارك جرود عرسال التي انطلقت ليل الخميس - الجمعة وتستمر حتى اليوم الإثنين.
مع تأكيد عاملين في منظمات إغاثية محلية لـ"العربي الجديد"، سماح الجيش لمندوبي هذه المنظمات ولفريق من وزارة الصحة بالتواجد قرب معبر وادي حميد الذي خصصه الجيش لاستقبال المدنيين الهاربين من الجرود باتجاه بلدة عرسال.
كما تزامن الإعلان عن نتائج تقرير القضاء العسكري الخاصة بمقتل اللاجئين الموقوفين مع تسريب صور تُظهر عناصر الجيش بصورة إنسانية في بلدة عرسال، إذ يقومون بحمل الأطفال اللاجئين ومساعدة أهلهم على نقل أمتعتهم.