وبعد سنتين من التأخر، يُخصص أعضاء البرلمان البلجيكي الأيام المقبلة لنقاش مشروع قانون طموح بشأن الهجرة واللجوء، يعتمد أربعة توجيهات أوروبية حول ملف الهجرة. ومن المنتظر أن يُدخِل التشريع عدداً من التعديلات الفنية والإصلاحات العميقة في القانون البلجيكي، تتعلق بعملية تقديم طلب اللجوء وتسيير الملفات والإعادة إلى الوطن الأصلي وأيضاً إمكانية سجن اللاجئين. ويسعى السياسيون، كما المنظمات الرسمية والمدنية، خلال الأيام العشرة المقبلة، إلى تشريح وتحليل حوالي 400 صفحة لاعتماد قرارات جديدة بالنسبة للحكومة، وتفادي انتصار التوجه الأمني في التعامل مع ملفات اللاجئين بالنسبة للمنظمات الحقوقية.
لكن الأهداف الأربعة التي سطرتها الحكومة، أي الحماية وتبسيط الإجراءات ومكافحة التلاعب وتسهيل عمليات العودة، يغلب عليها التشديد على الهدفين الأخيرين. وبالتالي فإذا تم اعتماد مشروع القانون بشكله الحالي سيتم إرسال عدد كبير من طالبي اللجوء إلى مراكز الاحتجاز". وأضافت أنتران أن "الحكومة تركّز كثيراً على التجاوزات التي جعلتها تتعامل بنوع من الشطط في المراقبة. والخطر هو أن يصبح الاحتجاز القاعدة، أو أن يتحول إلى عمل منهجي، كما هو الحال في المجر. في حين أن التشريعات الأوروبية تشدد بشكل واضح على أن المسألة تعد استثناءً، أي كملاذ أخير. كما أن مشروع القانون البلجيكي لا يقدم أي بديل للاعتقال". وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قد أكدت أيضاً بأن معايير القانون الدولي للاجئين ومواثيق حقوق الإنسان تنص على أن "احتجاز طالبي اللجوء عادة يجب تجنبها أو أن يتم استعمالها في الملاذ الأخير، نظراً إلى المعاناة التي تتسبب فيها". وبحسب أنتران "فاحتجاز شخص طلب الحماية في انتظار تحليل ملفه سيمكن السلطات البلجيكية من إعادته بأسرع وقت ممكن إلى بلده في حالة رفض الطلب". وأشارت إلى أن "ذلك سيعني أن اكتشاف خطأ ما في التحليل سيتم بشكل متأخر. إذ سيكون المرشح قد رُحل وربما اعتقل أو قتل في بلده الأصلي، لذلك من الضروري العمل من أجل تفادي اعتماد هذا القانون كما تشدد كل المنظمات الحقوقية مدعومة ببعض المؤسسات الحكومية".
وأعدت الحكومة قائمة تضم 11 من المعايير الموضوعية التي في حال ثبوتها، ستؤدي بطالب اللجوء إلى السجن. ومن بين هذه المعايير: تقديم وثائق هوية مزورة وإدخال الطلب بعد فوات الأوان وإخفاء حقيقة أن المرشح سجل بصماته في بلد آخر. ولفتت فانيسا ساينن، من مفوضية شؤون اللاجئين إلى أن "ما يثير القلق هو أن هذه المعايير غامضة. لذا فجميع المرشحين للجوء قد تنطبق عليهم". وسبق أن أعلنت الوكالة التابعة للأمم المتحدة، والتي تتكلف بالرقابة، بأنها لن تقدم رأيها في التشريع الجديد في الأجل المحدد من قبل الحكومة لضيق المدة الممنوحة للاطلاع على المشروع.
ففي الوقت الذي انطلقت فيه مناقشة النص القانوني في لجنة الشؤون الداخلية في مجلس النواب، أبرز العديد من النواب تغييب رأي الجمعيات الحقوقية. وهو ما دفع بالبرلمان إلى طلب رأي مجموعة من الجمعيات الرسمية وغير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان إضافة إلى المجتمع المدني والخبراء المستقلين ومفوضية شؤون اللاجئين. غير أن العديد من المنظمات والجمعيات لم تقدم تقريرها إلى مجلس النواب، لأن جلسة الاستماع جاءت بعد أيام قليلة من عرض النص عليها. وحتى المؤسسات الرسمية، كالمركز الفيدرالي من أجل المساواة ومركز الهجرة، عبرت عن موقفها الرافض لتلخيص أفكارها في 10 دقائق منحت لها من قبل البرلمانيين، في حين لم تطّلع على نص التشريع سوى منذ بضعة أيام. لذا طالبت كل المنظمات والجمعيات بمزيد من الوقت لتحليل القانون بشكل معمق من قبل مختصين.
أما مجلس الدولة، الذي تمكن من الاطلاع على مشروع التشريع منذ ستة أسابيع، فقد اعتبر أنه "من غير الممكن في هذه المرحلة قياس ما إذا كانت مجموعة من التعديلات التي ينص عليها المشروع سيكون لها تأثير على طلبات إعادة النظر في رفض حق اللجوء"، وهو ما يعني ضمنياً أن المشروع يحمل العديد من البنود الإشكالية قانونياً.
من جهته، نفى مكتب وزير الدولة المكلف بشؤون اللجوء، تيو فرانكين، أي رغبة في إرسال عدد أكبر من المرشحين للجوء وراء القضبان. وقالت المتحدثة باسم المكتب، كاترين يانسون، في حديثٍ مع "العربي الجديد": "صحيح أن مشروع القانون قيد النظر يركّز بشكل كبير على واجب التعاون من قبل المرشح وعواقب عدم القيام بذلك، لكن من المهم أن يكون طالب اللجوء على بينة من واجباته في التعاون للكشف عن هويته وجنسيته وطريقة السفر وتفصيل طلب اللجوء لتسهيل عملية تسيير ملفه وتفادي أي شكوك. فمن يطالب بالحماية من قبل بلجيكا عليه أن يكون صادقاً حول هويته".