يعيش حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على وقع أزمة داخلية عاصفة، على خلفية أداء الحزب في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة، الأمر الذي ينذر بوقوع انشقاقات في صفوفه.
وعلى الرغم من أن الحزب تمكن من الحصول على 8 مقاعد في البرلمان، فإن هذه النتيجة تثير انتقادات شديدة داخل الحزب، تحمل الرئيسة مارين لوبان مسؤولية الفشل في الحصول على 15 مقعداً على الأقل تتيح له تشكيل فريق نيابي وازن، وتمنحه هامشاً سياسياً أفضل. ويجد نواب الحزب نفسهم محاصرين في دور رمزي وحتى تدخلاتهم في النقاش البرلماني محدودة بسبب مقاعدهم القليلة.
واستفحل الخلاف بين لوبان ونائبها فلوريان فيليبو بعدما أقالت لوبان النائبة سوفي مونتيل من منصبها كرئيسة فريق الجيهة الوطنية في المجلس الإقليمي لمنطقة فرونش كونتي، وهي واحدة من المقربين إلى فيليبو، وتجرأت، أخيراً، على انتقاد لوبان وحمّلتها مسؤولية النتائج السلبية التي حصدها الحزب في معركة التشريعيات والعجز عن تمثيل 11 مليون فرنسي وفرنسية صوتوا لصالح الحزب في الانتخابات الرئاسية.
وتتمتّع مونتيل بشعبية كبيرة في صفوف اليمين المتطرف الذي انتسبت إليه منذ عام 1987، وهي واحدة من الوجوه التاريخية للحزب وتدافع عن الخط التاريخي الذي يركز على محاربة الهجرة والإسلام ومعاداة الاتحاد الأوروبي.
وشرعت لوبان، أخيراً، بالدعوة إلى حركة تصحيحية، تحضيراً لمؤتمر الحزب الذي يعقد في مارس/ آذار 2018. وصرحت بأنها ترغب "في تغيير كل شيء داخل الحزب بما فيها تسمية الجبهة الوطنية".
كذلك دعت إلى إحداث هيئة تنظيمية خاصة "لمحاورة 11 مليون ناخب فرنسي" صوتوا لصالحها في الدورة الثانية من الرئاسيات، والتي فاز فيها إيمانويل ماكرون في 7 مايو/ أيار الماضي. وهي التصريحات التي أثارت استهجان كثير من كوادر الحزب بمن فيهم نائبها فيليبو واعتبروها استفراداً بالقرار الحزبي من دون استشارة القواعد والكوادر. وارتفعت عدة أصوات من داخل الحزب تطالب بانسحاب لوبان من منصب رئاسة الحزب وفسح المجال لشخصيات جديدة ورفع يد عائلة لوبان عن القيادة.
وتسعى لوبان كذلك إلى انتهاج سياسة انفتاح على مكونات اليمين التقليدي المحافظ الذي يعاني من انشقاقات داخلية قوية واستقطاب قاعدته الانتخابية، والتي صوتت غالبيتها لصالح لوبان في الرئاسيات، بعد إقصاء المرشح اليميني فرانسوا فيون في الدورة الأولى. وتبني فكرة الانفتاح على مراجعة شاملة لعقيدة الحزب الأيديولوجية، خاصة في ما يتعلق بالدعوة إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي وإلغاء العملة الأوربية الموحدة "اليورو". وتعتبر لوبان أن هذه الفكرة بالذات هي التي وقفت عائقاً دون نجاحها في الانتخابات الرئاسية لكونها تثير مخاوف كبيرة لدى الناخبين.
في المقابل، يدافع التيار التاريخي للحزب عن مبدأ الخروج من الاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة ويعتبره ثابتاً أساسياً في عقيدة الحزب. كذلك يدافع عن الطابع العنصري اتجاه المهاجرين الذي يشكل النواة الأيديولوجية للحزب وجزءاً بنيوياً من عقليته السياسية.
كذلك؛ يركز هذا التيار على الطابع المسيحي الكاثوليكي للجبهة الوطنية ويعتبره ميثاقاً أخلاقياً غير قابل للتشكيك ويعارض بشراسة زواج المثليين والانجاب بالطرق التكنولوجية. ويعتبر هذا التيار أن لوبان تضعف الحزب بتبنيها أفكاراً "يسارية" و"ليبرالية" مدفوعة بطموحاتها الشخصية.
وبالإضافة إلى هذا الخلاف الأيديولوجي يعاني الحزب من ضائقة مالية خطيرة بسبب تراجع عدد المصوتين لصالحه في التشريعيات الأخيرة، كذلك بسبب تجميد البرلمان الأوروبي ميزانية نواب الجبهة الوطنية وعلى رأسهم مارين لوبان، بسبب دعوى قضائية تشتبه في استغلال الحزب موارد النواب الأوروبيين في دفع أجور كوادره والتستر على وظائف وهمية.