أسباب العزوف
فقدان الأمل وانعدام الإيمان بقدرة المنتخَبين على التغيير، من الأسباب العديدة التي تدفع الأردنيين للعزوف عن المشاركة في الانتخابات، كما يقول مدير مركز "هوية"، محمد الحسيني. وبلغت نسبة الاقتراع في الانتخابات التي جرت الثلاثاء الماضي، وأعلنت نتائجها النهائية مساء الأربعاء، 31 في المائة من مجموع من يحق لهم الانتخاب الذين بلغ عددهم 4 ملايين و109 آلاف و423 ناخباً وناخبة.
حتى النسبة "المتدنية"، كما وصف مراقبون وسياسيون حثّوا الدولة على دراسة أسبابها بشكل عميق، ما كانت لتتحقق لولا قرار الهيئة المستقلة للانتخاب، بالاحتكام إلى "الأشواط الإضافية"، بتمديد الاقتراع في محافظتي العاصمة والزرقاء (شمال شرق عمّان) لساعتين إضافيتين، وفي قصبة أربد (شمال المملكة) ساعة إضافية. تزوير الانتخابات أو انعدام النزاهة، كانا سببين رئيسيين في تفسير ظاهرة عزوف الأردنيين عن الاقتراع في السابق، لكن تلك الأسباب حُيّدت إلى درجة كبيرة منذ أن تأسست عام 2011، في أوج الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح، الهيئة المستقلة للانتخاب كجهة مستقلة تُعنى بإدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها، وسجلت نجاحاً في إدارة العمليات الانتخابية.
يتفق مراقبون مع ما قاله المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، بأن "التشكيك بنزاهة الانتخابات أصبح خلفنا"، وتلك قناعة بدأت تتسرب إلى المستويات الشعبية، لكن الناخب الأردني وتحت تأثير العقل الباطني المأسور بسيطرة الدولة، استبدل عبارته المشهورة "اللي بدها إياه الدولة بيفوز" بعبارة جديدة "مين ما يفوز راح يشتغل مثل ما بدها الدولة"، مع ملاحظة أن مصطلح الدولة ارتبط في الوعي الانتخابي بالأجهزة الأمنية، وتحديداً الاستخبارات.
يوضح رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، خالد الكلالدة، لـ"العربي الجديد"، تأثير النزاهة على سلوك الناخبين، قائلاً: "احترام صوت الناخب وإرادته قضية مهمة جداً، الناخب إذا تيقن أن صوته لن يذهب سُدى بالتأكيد يصبح غالياً عليه ويشارك في الانتخابات".
إلا أن نزاهة الانتخابات، ومشاركة كل الأحزاب السياسية فيها، وبينها حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، بعد مقاطعته للبلديات منذ العام 2007، عوامل لم تحدث فارقاً يُذكر على نسب الاقتراع. وفي مسعى من مراقبين للابتعاد عن ربط أسباب العزوف بفقدان الناخب الأردني الثقة بمؤسسات الدولة، والمجالس المنتخبة، عاد للرواج تحليل يتصل بسلوك الناخبين الأردنيين من أصول فلسطينية، وهو تحليل ينطوي على اشتباه في ولائهم وانتمائهم للملكة، خصوصاً أن محافظات العاصمة والزرقاء وأربد، حيث ثقلهم السكاني، تُسجل تاريخياً أدنى نسب مشاركة في الانتخابات، من دون أن يدعم التحليل وغيره من التحليلات التي تفسر أسباب العزوف، بدراسة علمية، وهو ما تتعالى الأصوات مطالبة بإجرائه.
الفلسطينيون داخل المخيمات وخارجها
أتاحت الانتخابات مشاركة جزئية للأردنيين من أصول فلسطينية من المقيمين داخل المخيمات، بعد أن مُنحوا حق التمثيل في مجالس المحافظات التي جرى انتخابها للمرة الأولى في تاريخ المملكة بناءً على قانون "اللامركزية" الذي أقر في العام 2015. وبينما يحق تاريخياً للمقيمين داخل المخيمات الفلسطينية المشاركة في الانتخابات النيابية ترشحاً واقتراعاً، فإنهم يُحرمون من انتخاب أعضاء اللجان المسؤولة عن تقديم الخدمات لهم، في وقت يُمنح الأردنيون من أصول فلسطينية من المقيمين خارج المخيمات إضافة للحق بالمشاركة في الانتخابات النيابية ترشحاً واقتراعاً، الحق بالمشاركة في الانتخابات البلدية ترشيحاً واقتراعاً.
وفي العام 2011 ظهرت أصوات داخل المخيمات تطالب بانتخاب لجان تحسين الخدمات، لكنه مطلب قوبل برفض شديد من قبل السلطة، مبررة قرارها "بالحفاظ على حق العودة ورفض التوطين". ووفقاً لإحصائيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، يعيش في الأردن نحو مليونين و80 ألف لاجئ فلسطيني يتمتعون بمواطنة كاملة، يقيم 17 في المائة منهم داخل المخيمات البالغ عددها 13 مخيماً، عشرة منها رسمية وثلاثة غير رسمية.
وشهدت المخيمات نقاشاً واسعاً حول المشاركة في مجالس المحافظات (اللامركزية) الذي حدد لها القانون مهام تنموية تبتعد عن الخدمات التي ستواصل البلديات الاضطلاع بتقديمها. وسيطرت على النقاش تساؤلات ومخاوف تتصل بمستقبل قضية اللاجئين، وما إذا كان إشراك المخيمات في مجالس المحافظات مقدمة لإلغاء الأونروا، كشاهدة على النكبة الفلسطينية ومأساة اللجوء، تمهيداً لحل نهائي يُطبخ في دول القرار. فيما انبرى مسؤولون لتبديد تلك المخاوف، ونفي أي ارتباط بين "اللامركزية" والحلول النهائية للقضية الفلسطينية، والتأكيد على التمسك ببقاء الأونروا. لاحقاً انتقل الجدل داخل المخيمات ليتمحور حول مدى الاستفادة التي قد تتحقق للمخيمات من المشاريع التنموية في المحافظات التي تقع ضمن حدودها، خصوصاً أن "فزاعة" الوطن البديل ترى أي تحسين على واقع المخيمات أو سكانها مدخلاً للتوطين والتنازل عن حق العودة.
مشاركة "الإخوان" وجدل الفوز
حسمت جماعة "الإخوان المسلمين"، أمرها مبكراً بالمشاركة في الانتخابات البلدية واللامركزية، وهي التي شاركت في الانتخابات النيابية التي جرت قبل أقل من عام، لتنهي بذلك مقاطعة كبّدتها خسائر كبيرة على صعيد العلاقة مع السلطة. وحصدت الجماعة، عبر ذراعها السياسي حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذي خاض الانتخابات بـ154 مرشحاً بينهم 11 امرأة، 76 مقعداً بينها رئاسة ثلاث بلديات، فيما توزعت بقية المقاعد بين المجالس البلدية ومجالس المحافظات (اللامركزية). نتائج تنظر إليها الجماعة بعين الرضا في العلن، في وقت يعتقد قياديون أنها نتائج متواضعة لا تُعبّر عن الحجم الحقيقي للحركة.
وفيما لم تشهد فترة الترشح تجاذبات تذكر، على الرغم من هواجس الخسارة التي أقلقت حظوظ فوز منافسي الإسلاميين، أحيطت المشاركة بجدل كبير بعد صدور النتائج، وهو الجدل الذي اختُصر بفوز القيادي علي أبو السكر برئاسة بلدية الزرقاء، ثاني أكبر محافظة لجهة الكثافة السكانية بعد العاصمة. ومثّل أبو السكر عنواناً للهجوم، إذ وُصف من قبل المعارضين بـ"الداعشي" واعتبروه داعماً للإرهاب، بعد أن استذكروا زيارته بيت عزاء أبو مصعب الزرقاوي عام 2006، وهي الزيارة التي حرمته خوض الانتخابات النيابية السابقة بسبب قيد جنائي سُجل بحقه إثر التعزية المشهورة. وراجت عبارات كتبها يساريون على مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار "بلدية الزرقاء تسقط بيد داعش". لكن حتى مختلفون مع تيار الإسلام السياسي أعادوا التذكير بالآثار الإيجابية التي تحققت للمدينة تحت رئاسة إخوانية قديمة لبلديتها، في مسعى لنزع فتيل التصعيد.
فقدان الأمل؟
في المحصلة انتهت الانتخابات بالحفاظ على رصيد تقاليدها، فتسيّدت التحالفات العشائرية والمناطقية المشهد، وغابت البرامج الانتخابية القابلة للقياس والتقييم، وواصلت الأحزاب السياسية إطلالتها الخجولة، وتكررت المشاجرات وأعمال العنف، وحوادث الاعتداء على العملية الانتخابية.
وفي ما تسوّق الحكومة الانتخابات كمنجز يُضاف إلى المسيرة الإصلاحية، وتُعلّق طموحات كبيرة على تجربة اللامركزية لجهة انعكاسها على مستويات التنمية، أجاب برلماني مؤثر على مسامع وزير سياسي بالحكومة عن سؤال حول إمكانية أن تتعامل الحكومة مع مجالس المحافظات (اللامركزية) على محمل الجد، بالقول "بس يأخذوا البرلمان على محمل الجد بالأول..."، ما يجعل فقدان الأمل ليس حكراً على المستويات الشعبية.