ويبدو أن الهجوم المباشر على الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، من قبل نتنياهو وريفلين، في لقاءات رسمية يفترض فيها أن تحمل طابعاً دبلوماسياً، خاصة من قبل الرئيس الإسرائيلي الذي لا يملك في إسرائيل بفعل قانون رئاسة الدولة ونظامها البرلماني أي صلاحيات أو مهام تنفيذية فعلية، كان مخططاً ومدروساً، يهدف أولاً إلى الانتقال من حالة الدفاع عن النفس لدولة الاحتلال إلى حالة الهجوم، لوضع الأمين العام في حالة دفاع عن النفس بدلاً من مهاجمته ممارسات الاحتلال في الأراضي المحتلة وانتقاده مواصلة الحصار المفروض على قطاع غزة، مع كل تداعياته الخطيرة، وفي مقدمتها الكارثة الإنسانية التي تعيشها غزة.
وقد بدا واضحاً أن التنسيق أو الإجماع في الموقف الإسرائيلي على وصف كل انتقاد لإسرائيل أو قرار أممي ضد ممارستها بأنه عداء أو عدم "توازن" في القرارات وانحياز ضدها، يهدف إلى حرف وتشويه حقيقة الرفض الأممي لممارسات الاحتلال من جهة، ومحاولة ممارسة ضغوط على الأمين العام لجهة التخفيف من حدة التصريحات أو المواقف التي قد تصدر عنه من جهة ثانية.
وبالفعل، فما أن تحدث ريفلين عما سمّاه بتحريض وعداء بعض وكالات الأمم المتحدة لإسرائيل، حتى أعلن غوتيريس أن الأمم المتحدة تعامل الدول كلها بشكل متساوٍ، متعهداً بأنها لن تحيد عن ميثاقها في هذا الخصوص، مع لفته الانتباه إلى أن الدول الأعضاء هي دول سيادية تتخذ مواقفها بشكل مستقل.
وتكرر الأمر بشكل أكثر حدة وخطورة خلال لقاء غوتيريس مع نتنياهو، فقد جعل الأخير من الأمم المتحدة، باتهامه لها بأنها تمنح الفلسطينيين منصة للتحريض ضد إسرائيل، و"عدم القيام بواجبها في لبنان"، شريكاً في ما تدعيه إسرائيل من حرب تحريض وتمييز ضدها.
وقام الأمين العام للأمم المتحدة، خلال لقائه بنتنياهو كما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، مثل صحيفة هآرتس، بالمساواة في وزن البناء الاستيطاني وعدم استنكار وتنديد السلطة الفلسطينية بالإرهاب، والانقسام الفلسطيني، باعتبارها العوامل الرئيسية المسببة لعدم التقدم في المسيرة السلمية.
ولعل أبرز أهم التصريحات التي صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة، خلال لقائه بنتنياهو والتي تعكس ميوعة في مواقف الأول التي رحبت إسرائيل بتوليه المنصب قبل أشهر وأثنت على مواقف مختلفة له مناصرة لها، هو التصريح الخاص بدور قوات اليونيفيل في لبنان. وتسعى إسرائيل إلى إقرار مقترح قرار في مجلس الأمن لتغيير طبيعة وصلاحيات القوات الدولية في لبنان، ليسمح لها بدخول القرى اللبنانية في الجنوب، ومراقبة نشاط حزب الله، ورفع تقارير دورية باستمرار لمجلس الأمن "حول خرق الحزب" قرار وقف إطلاق النار من العام 2006، رقم 1701.
وكان نتنياهو في مستهل لقائه بغوتيريس، هاجم بشدة نشاط وعمل القوات الدولية في لبنان، بقوله إن "استغلال الفلسطينيين للأمم المتحدة معروف، لكن الأمر الأكثر أهمية الذي نواجهه هو حزب الله في سورية، إذ يفترض في الأمم المتحدة أن تمنع نقل السلاح إلى حزب الله، لكن حسب معرفتي فإن هذا لم يحدث ولا حتى مرة واحدة". وأضاف "توجد مشكلة، فإيران تحاول تحويل سورية ولبنان إلى ساحة قتال، وهي تبني مواقع لإنتاج الصواريخ. هذا الأمر لا يمكن لإسرائيل القبول به، وعلى الأمم المتحدة ألا تقبل به".
وبحسب "هآرتس"، فقد رد غوتيريس على ذلك بالقول إنه يعتزم العمل من أجل تعزيز نشاط قوات اليونيفيل في لبنان، حتى تساهم في الدفاع عن الاحتياجات الأمنية لإسرائيل. وقال غوتيريس: "سأبذل كل ما في وسعي لضمان أن تقوم قوات اليونيفيل بمهامها، حسب كتاب التكليف الرسمي لها. إنني أدرك المخاوف الأمنية لإسرائيل، ودعوات إبادتها غير مقبولة لديّ".
وتشكل هذه النقطة عملياً عصباً حساساً، إذ تسعى إسرائيل، وبتنسيق ودعم أميركي كامل، إلى تغيير صلاحيات القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان. ومن المقرر أن يبحث مجلس الأمن الدولي، الأربعاء، اقتراحاً بهذا الخصوص.
وعلى الرغم من أن غوتيريس سيلتقي اليوم برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلا أنه من غير المتوقع أن تسفر جولته للمنطقة عن نتائج فعلية، بل على العكس من ذلك قد يدعو هو الآخر السلطة الفلسطينية إلى إرجاء أي تحركات في الساحة الدولية وفي محافل الأمم المتحدة، مؤقتاً، لحين تقديم إدارة دونالد ترامب مبادرتها السياسية، لا سيما وأن المؤتمر السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة سيُعقد الشهر المقبل في نيويورك، وتخشى إسرائيل من تحركات دبلوماسية للسلطة الفلسطينية خلال انعقاد المؤتمر. علماً أن نتنياهو سيلتقي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل المؤتمر في منزل ترامب في نيوجيرسي، ولم ترشح معلومات عن إمكانية عقد لقاء ثلاثي يجمعهما أيضاً بالرئيس محمود عباس.