يشهد الملف السوري تطورات متسارعة، تحديداً في ما يتعلق بطبيعة التفاهمات التي تعمل روسيا على إرسائها قبل الجولة المقبلة من محادثات أستانة المقررة منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الحالي. وتروّج موسكو لـ"مصالحات" تعقدها في عدد من المناطق المشمولة باتفاقات "وقف التصعيد" وتقوم بتصويرها بوصفها "النموذج الأفضل" لمختلف الأطراف السورية، مستفيدةً من تسليم الملف السوري لها. كما تظهر المعطيات في الأيام الماضية، سعياً روسياً حثيثاً بالتنسيق مع غرفة "الموك" في الأردن، لاستكمال ترتيب الأوضاع في منطقة الجنوب السوري، التي يراد لها أن تكون نموذجاً قابلاً للتعميم على بقية المناطق السورية. والمقصود أن يكون هناك توقف تام للقتال بين قوات المعارضة والنظام، على أن يتوجه الجانبان لقتال تنظيم "داعش"، مع تمكين النظام من السيطرة على الحدود والمعابر، وتشكيل "مجالس محلية" تنوب عن المعارضة وتتشارك مع النظام في إدارة تلك المناطق، وهو ما يواجه حتى الآن بقدر من الممانعة من جانب بعض فصائل المعارضة والفاعليات في الجنوب، التي تصر على مواصلة تصويب بوصلتها نحو نظام بشار الأسد.
و"الموك"، وهي غرفة عمليات دولية تترأسها الولايات المتحدة ودول "أصدقاء الشعب السوري" إضافة إلى الأردن، تقدم دعماً لعدد من فصائل المعارضة السورية.
وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعاً عقد يوم الأربعاء الماضي في الأردن، ضم ممثلي الدول الداعمة وقادة الفصيلين المعارضين. وأوضحت أنه طُلب من ممثلي الطرفين الكف عن قتال قوات النظام والدخول إلى الأردن، أو التوجه إلى ريف دير الزور لمقاتلة تنظيم "داعش"، على غرار فصيل "مغاوير الثورة"، وذلك تحت التهديد بقطع الدعم عنهما بشكل نهائي.
وأوضح الفصيلان في بيانهما المشترك، أنهما تعرضا لأشد أنواع الضغوط "لكي نستسلم ونتوقف عن قتال النظام وتسليم المنطقة في البادية الشامية"، وفق البيان. لكنهما أكدا عزمهما على مواصلة القتال على الرغم من الإمكانات المحدودة، ورفضهما لما وصفاه بالرضوخ والاستسلام. وناشد الفصيلان فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد وجنوبها، وفي الغوطة الشرقية، التحرك من أجل البادية والقلمون. وجاء في البيان "نحن وحدنا في الساحة، تخلى عنا الجميع، وهذه فرصتكم في هذه المرحلة الحرجة من تغير المواقف الدولية لنصر سورية الثورة".
ورجح ناشطون أن تدفع هذه الضغوط الفصيلان إلى الاندماج معاً بهدف توحيد المواقف وتنسيق الجهود. وتدور معارك بين فصائل "الجيش السوري الحر" وقوات النظام في منطقة البادية، حيث تحاول الأخيرة السيطرة على المنطقة وصولاً إلى محافظة دير الزور الحدودية مع العراق. ويتصدى لها الفصيلان، ويقومان بهجمات معاكسة في إطار معركة "الأرض لنا" التي أطلقاها في 31 مايو/ أيار الماضي. وكان فصيل "أحرار العشائر" الذي تدعمه الأردن قد انسحب بشكل مفاجئ من المنطقة قبل فترة إلى داخل الأراضي الأردنية، من دون تنسيق مع فصائل "الجيش الحر"، الأمر الذي مكّن قوات النظام من السيطرة على مناطقه، بينما يحاول فصيلا "أسود الشرقية" و"الشهيد أحمد العبدو" السيطرة على جزء من تلك المناطق. وتشمل البادية مناطق واسعة تمتد من شرق السويداء وريف دمشق الجنوبي وريفي حمص وحماة، وصولاً إلى المنطقة الشرقية في دير الزور على الحدود العراقية.
وكانت "جبهة ثوار سورية" قد أكدت، نهاية يوليو/ تموز الماضي، أن غرفة "الموك" قطعت الدعم العسكري عن فصائل "الجبهة الجنوبية"، بغية الضغط عليها للكف عن قتال النظام، والتوجه إلى قتال تنظيم "داعش"، منذرةً بأن الدعم لن يعود حتى الاستجابة الكاملة لهذا الطلب. وأعلنت الولايات المتحدة في 22 يوليو/ تموز الماضي، إنهاء برنامج وكالة "الاستخبارات المركزية الأميركية" (سي آي إيه) الخاص بتسليح فصائل من المعارضة السورية، والذي أطلقته الوكالة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
ورأى الناشط محمد الشلبي أن الضغط العلني على فصائل "الجيش الحر" للتوقف عن قتال قوات النظام يأتي في سياق إعادة ترتيب أوضاع المنطقة الجنوبية عسكرياً وإدارياً، في حين تنشط روسيا على أكثر من صعيد لدفع اتفاق "خفض التصعيد" قدماً، وفق تفسيرها الخاص للاتفاق الذي لم تعلن تفاصيله حتى الآن. وأوضح أن العديد من الفصائل والفاعليات في محافظة درعا تبدي مخاوف وهواجس عدة من الطريقة الأحادية لتطبيق الاتفاق في ظل غياب الشفافية والحوار الجاد مع فصائل المعارضة، وفي ظل التقاعس الأميركي، وكأنه تم تسليم الأمر كله لروسيا.
وفي إطار هذه المخاوف، أعلنت "الجبهة الجنوبية" التابعة لـ"الجيش السوري الحر"، يوم الخميس، أنها تعتبر المناطق التي تنتشر فيها تشكيلات "تحالف الجنوب" مناطق عسكرية مغلقة، مع عدم السماح بفتح ممرات للعبور إلى مناطق سيطرة النظام. وقال قائد هذا "التحالف"، قاسم نجم، في تصريحات صحافية، إنه تم "إغلاق المناطق بسبب ترويج النظام على وسائل التواصل الاجتماعي عزمه على فتح الطريق أيام عطلة عيد الأضحى". وأوضح أن مناطق تماسهم مع النظام "حساسة جداً وخطيرة"، وهي عبارة عن تلال استراتيجية، مثل تل المال وتل مسحرة وتل الحارة، وثمة مخاوف من حصول خرق في تلك النقاط، وفق قوله. وتابع أن القرار موجه للنظام السوري وحلفائه، مشيراً إلى عدم انتقال المدنيين من مناطقهم إلى مناطق النظام.
وجاء ذلك، وسط تصريحات عدة صدرت في الآونة الأخيرة، عن مسؤولين أردنيين بأن علاقة عمان مع نظام بشار الأسد "مرشحة لأن تأخذ منحى إيجابياً"، وأن الظروف في جنوب سورية تؤسس لفتح المعابر بين البلدين.
غير أن نائب رئيس المجلس المحلي في محافظة درعا، عماد البطين، قال لـ"العربي الجديد"، إن أي ممثل رسمي لمحافظة درعا لم يحضر الاجتماعات في حميميم "التي لم نُدعَ إليها، ولو دُعينا فلن نحضر، لأننا لا نثق بروسيا وهي التي قتلت شعبنا ودمرت بلدنا"، على حد تعبيره. ورأى أن روسيا تمارس سياسة مخادعة تجاه السوريين والعالم كله بهدف صرف الانتباه عن الدمار والقتل الذي شاركت فيه روسيا وإيران والنظام السوري. وحول إمكانية إعادة فتح معبر نصيب، قال البطين "لن نقبل أن يفتح معبر نصيب إلا بيد الإدارة الثورية الكاملة للمعبر وتحت راية الثورة، ولن تنجح المحاولات التي يحاول النظام وحلفاؤه الترويج لها"، وفق تأكيده.
ويرتبط الأردن وسورية بحدود جغرافية يزيد طولها عن 375 كيلومتراً، ويعيش على أراضيه ما يزيد عن مليون و300 ألف نازح سوري، نصفهم يحملون صفة لاجئ. وذكرت صحف أردنية أنه مع استمرار اتفاق التهدئة في مناطق الجنوب، شهدت وتيرة عودة اللاجئين السوريين من الأردن إلى الجنوب السوري ارتفاعاً ملحوظاً.