هل يتمكن "داعش" من إعادة ترتيب صفوفه في ليبيا؟

11 سبتمبر 2017
"داعش" كثف تحركاته في مناطق سيطرة خفتر (فرانس برس)
+ الخط -
يواصل تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد ما يقارب العام من سقوط معقله الرئيسي في مدينة سرت الليبية، الإعلان عن وجوده من خلال عمليات ينفذها في أماكن متفرقة وعلى فترات، آخرها تبنيه لهجوم على حاجز تفتيش تابع لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمنطقة النوفلية، شرق المدينة، في مؤشر إلى سعيه إلى ترتيب صفوفه من جديد.

وتناقلت تقارير إعلامية، في الآونة الأخيرة، الظهور المتتالي لعناصر التنظيم في المناطق الواقعة بين سرت والهلال النفطي، والتي تمتد إلى أكثر من 120 كيلومتراً، وهي المنطقة الفاصلة بين سيطرة قوتي حفتر و"البنيان المرصوص" التابعة للمجلس الرئاسي الليبي، الذي يترأسه فائز السراج.

ورصد "العربي الجديد"، عبر مصادره في تقارير سابقة، وجود التنظيم في مناطق واقعة بين سرت وشرق بني وليد، لا سيما في سلاسل جبلية تحيط ببني وليد جنوبي شرقها، والمفتوحة على صحراء البلاد الشاسعة.

وخلال تصريحات للمتحدث باسم وزارة دفاع حكومة الوفاق، محمد الغصري، تعليقا على بناء حلف شمال الأطلسي قاعدة مراقبة بجزيرة نابولي الإيطالية لمراقبة تحركات "داعش" بشمال أفريقيا، قال: "يجب العمل على إنشاء قوة جديدة لملاحقة فلول (داعش) جنوب سرت وشرق بني وليد، حيث لا تزال تتحرك هناك بحرية".

وفي آخر تطورات الأوضاع، أكد مصدر أمني من سبها أن طيراناً مجهولا، يعتقد أنه فرنسي، نفذ عدة غارات أمس الأحد على تمركز يعتقد أنه لـ"داعش" بمنطقة وادي الأجال جنوب سبها، حيث أكد شهود عيان وجود بقايا سيارات مسلحة محطمة جراء القصف.


وتؤكد هذه التحركات المكثفة لعناصر "داعش" رغبة التنظيم في إعادة ترتيب صفوفه والعودة للواجهة مجددا، خاصة وأن ظروف البلاد المستمرة في التردي على وقع الانقسام السياسي والأمني تساعده على ذلك.

الغصري، المتحدث باسم وزارة دفاع حكومة الوفاق، والذي عمل سابقا متحدثا باسم عملية "البنيان المرصوص"، استبعد قدرة التنظيم على توحيد صفوفه مجددا، وقال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المراقبة شديدة، وفرق الاستطلاع تجوب جنوب سرت"، مضيفا: "نعلم بوجود خلايا متحركة في جنح الظلام، لكنها لا تقوى على المواجهة، وسريعا ما تختفي عند ملاحقتها".

وذكر الغصري أن "التنسيق كامل مع قوات الدعم الدولي، التي تمتلك طيرانا للمراقبة يرصد أي تحرك"، مؤكدا أن "العمليات القتالية قد تعود في أي وقت حال التنسيق مع حكومة الوفاق للقضاء على ما تبقى من (داعش) جنوب سرت".

ولم يحدد المتحدث ذاته أسباب تنقل عناصر "داعش" بكل حرية في مناطق الجنوب حيث تسيطر قوات حفتر، لكنه أوضح أنه "في تلك المناطق تنتشر الفوضى والمجموعات المسلحة غير المنضبطة".

في المقابل، أعرب مصدر تابع لعملية "البنيان المرصوص"، طلب عدم ذكر اسمه، عن قلقه من تحركات فلول "داعش" المتزايدة في الآونة الأخيرة، وقال: "لا يوجد تنسيق حقيقي بين (البنيان المرصوص) والقوات الدولية، فالأخيرة تعمل أغلب الأحيان بمفردها"، كاشفا عن وجود "داعش" في العديد من المناطق. 

وأضاف المصدر: "التنظيم موجود في مناطق بونجيم وقرزة ووادي بي وقرارة جهنم، وسوف الجين وطريق اللود الزراعي ووادي بي"، وكلها تقع إلى الجنوب والجنوب الشرقي من سرت، وصولا إلى الجفرة وسط جنوب البلاد، موضحا أن "هذا التواجد يأتي في شكل خلايا متحركة لا تتموقع في مكان محدد، وتقوم بنصب حواجز لتفتيش المارة لساعات ثم تختفي"، مرجحا أن يساعد تمركز هذه الخلايا في مناطق قريبة من بعضها في توحيد صفوفها.

إلى ذلك، ذكر المتحدث باسم غرفة عمليات الطوارئ الجوية التابعة لـ"البنيان المرصوص"، المقدم الطيار محمد قنونو، أن "الاعتماد على الدعم الدولي نسبي"، وقال: "لدينا قدرة على المراقبة والتعقب، وهذا ما نقول به، إذ لم تتوقف رحلات طيراننا الاستكشافي".

وقال قنونو، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه لا يستطيع الكشف عن كل العمليات الجوية التي نفذت ضد عناصر "داعش"، مضيفا: "هناك عمليات نفذتها قواتنا بدعم دولي، لكننا نفذنا غيرها بمفردنا، فنحن أدرى بطبيعة الأرض وظروف التحرك فيها".

وكشف المتحدث ذاته عن أن "التنظيم لديه اتصال من خلال خلاياه النائمة في مدن ليبيا، وبالتالي يدرب مقاتليه بناء على معلومات ينشرها الإعلام نقلا عن مسؤولين عسكريين". وقال: "وبالتالي لا أستطيع الحديث بشكل مفصّل عن عملياتنا". 

قنونو أكد، أيضا، أن "مقاتلي التنظيم يستفيدون من حالة الفوضى السياسية، إذ تسيطر مجموعات مسلحة بالجنوب على قواعد عسكرية، لكنها تترك الناس في المدن والقرى مجبرين على التعامل مع أفراد التنظيم، الذين يجوبون هذه المناطق للتبضع أو لإقامة حواجز تفتيش"، مطالبا بـ"توحيد المؤسسة العسكرية لبناء قوة موحدة لمواجهة خطر الإرهاب".

ولفت المصدر الأمني التابع لـ"البنيان المرصوص" إلى اهتمام الإعلام والجهات الحكومية بالحديث عن "داعش"، وتغافله الحديث عن تنظيمات أخرى كـ"القاعدة"، قائلا: "هذا التنظيم ينتشر في جنوب ليبيا وله صلات واسعة بـ(داعش) وبشبكات تهريب البشر، وينشط بحرية في مناطق الجنوب"، مشيرا إلى أن تنظيم "القاعدة" استفاد من هذا التغاضي، وأصبحت قوته أكثر من قوة "داعش".

ولم يتأت للمصادر التي اتصل بها "العربي الجديد" تقدير حجم ما تبقى من قوة "داعش" بعد معركة سرت، إلا أنها أكدت أن خطر عودته قد يكون أقرب في الجنوب الليبي.