تعيش الأحزاب الستة الرئيسية في ألمانيا، التي يُرجَح وصولها إلى البوندستاغ (مجلس النواب)، من أصل 42 حزباً يشارك في الانتخابات البرلمانية المقررة في 24 سبتمبر/أيلول الحالي، حالة من الترقب والحذر قبل أيام من الموعد المنتظر، ويجهد المرشحون لاستقطاب الناخبين من خلال تكثيف جولاتهم الانتخابية على المدن وعرض برامج أحزابهم، على الرغم من أن أكثرية الولايات الألمانية انتخبت خلال عامي 2016 و2017 نواباً جدداً لبرلماناتها، وظهرت فيها أحجام الأحزاب وممثليها. وتكتسب الانتخابات البرلمانية العامة أهمية خاصة، من خلال الحضور الذي يكرسه زعماء الأحزاب إلى جانب مرشحيهم وناخبيهم في الست عشرة ولاية، توازياً مع الحملات الترويجية لبرامجهم وتطلعاتهم المستقبلية لألمانيا، والتي عادة ما يغلب عليها الحس الوطني، مع ما تحمل من قضايا وملفات تهم المواطن، من الأمن والتعليم والعدالة الاجتماعية إلى الهجرة واللاجئين والعنصرية والتقاعد والضرائب والاندماج والبيئة والسياسة الخارجية، كما لتصحيح الخلل الذي وقعت به الأحزاب خلال الانتخابات البرلمانية المحلية خلال الأشهر الماضية.
وانطلاقاً من النتائج، لا بد من أن يشكل الحضور الذي كرسته الأحزاب الصغرى نقطة تحوّل في دينامية الحياة السياسية الألمانية، وهي التي استطاعت كسب أصوات الناخبين بحملها ملفات معينة، مثلما فعل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي تأسس عام 2013، وركز على معاداة الإسلام والهجرة واستهدف شرائح بعينها من المواطنين. ويُتوقع أن يقوم هذا الحزب بدور مؤثر في المعارضة، وهو الذي يتركز حضوره أساساً في الولايات الشرقية مثل سكسونيا وبراندنبورغ، وتمرس في الحياة السياسية وتمكّن بحنكة من مخاطبة الجمهور واستطاع دخول 12 من برلمانات الولايات.
وبالتالي لا يمكن في هذه الدورة التعويل على كمّ الأصوات التي عادة ما تمنحه تلك الولايات للأحزاب التقليدية، إذ بات الناخب فيها، إلى حد كبير، في حلّ من التزاماته في ظل الحضور الذي كرسه حزب "البديل" فيها. مع العلم أن المستشارة ميركل وخلال زيارتها لولاية سكسونيا أخيراً، قوبلت بصيحات الاستهجان وصافرات الاحتجاج من قبل مؤيدي حزب "البديل"، الذين عبّروا عن امتعاضهم من سياسة ميركل تجاه أزمة اللاجئين، خصوصاً أن أكثرية ناخبي هذا الحزب هم من العاطلين والمعادين للأجانب واللاجئين والمعارضين للعولمة والمتشككين بسياسة اليورو والاتحاد الأوروبي. أما المرشح الاشتراكي مارتن شولتز، فيحاول مغازلة ناخبي الولايات الشرقية في وسائل الإعلام، مردداً أنهم لقوا القليل من التقدير في السياسة الألمانية وفقدوا فرص عملهم، على الرغم من أنهم أخذوا بشجاعة مستقبلهم بأيديهم، وهم اليوم نموذج للسياسات العصرية للمرأة والأسرة والمساواة، حسب قوله.
كذلك، فإن حزب "الخضر" أصبح أكثر مرونة ووسّع من مواضيع اهتمامه غير المعنية بالبيئة، ودغدغ مشاعر الناخب وبات يملك أجندة بخصوص المسائل الضريبية والعدالة الاجتماعية ومكافحة البطالة. ويتوزع ناخبوه بين مختلف الولايات مثل برلين وسكسونيا السفلى وبادن فورتمبرغ وبريمن وشلسفيغ هولشتاين، وهم من أصحاب المصالح والدخل المرتفع ويعملون في القطاع التربوي والمصرفي وشركات التأمين. أما الحزب "الليبرالي الحر" بقيادة الشاب كريستيان لندنر، والذي يتحضر للعودة إلى البوندستاغ، بعدما لم يتمكن من الحصول على نسبة 5 في المائة في انتخابات 2013، فتعطيه استطلاعات الرأي حالياً 9 في المائة من أصوات الناخبين في البلاد، وهو الذي استطاع بتوجّهاته وأفكاره خلال الفترة الماضية مخاطبة المواطن الألماني وتذكيره بحريته الفردية وحقوقه المدنية، ناهيك عن كونه حاملاً للواء الاتحاد الأوروبي. ويتوزع حضوره في ولايات شمال الراين وستفاليا وشلسفيغ هولشتاين وبادن فورتمبرغ وهامبورغ. ويُعتبر ناخبوه من أصحاب المهن الحرة. وعليه، يعتقد خبراء في الشأن الانتخابي الألماني أن الناخب الراغب بالتغيير سوف يختار الحزب "الليبرالي الحر"، فيما الناقم على السياسة الألمانية الحالية سينتخب "البديل من أجل ألمانيا" أو اليسار.
كل ذلك دفع بالحزبين التقليديين اللدودين، "المسيحي الديمقراطي" و"الاشتراكي الديمقراطي"، وللتعويض عن خسارة الأصوات، إلى التوجّه لمخاطبة الناخبين المترددين لشحذ هممهم، وهو ما تقوم به ميركل ومنافسها شولتز. علماً أن لدى الحزبين تشابها في البرامج الانتخابية، انطلاقاً من أن الناخب الألماني أو الكتل الناخبة تركّز في خياراتها على ملفات محددة، ومنها مثلاً التقاعد، وهو موضوع يهم أكثر من 18 مليون متقاعد في البلاد، أي حوالي ثلث من يحق لهم التصويت في الانتخابات، ناهيك عن التعليم والأمن والأمان الاجتماعي والضرائب والمساواة في الأجر بين الجنسين والهجرة.
وبحسب معهد "إنفراتست ديماب"، يتصدّر "المسيحي الديمقراطي" استطلاعات الرأي بنسبة 37 في المائة، يليه "الاشتراكي" بنسبة 20 في المائة، فيما حزب "البديل" يحل ثالثاً بـ12 في المائة و"الليبرالي الحر" رابعاً بـ9.5 في المائة من الأصوات واليسار 8 في المائة و"الخضر" 7.5 في المائة. بينما تشير ترجيحات إلى إمكانية حصول "البديل" على عدد أكبر من الأصوات، كون الكثير من الناخبين لم يقرروا بعد لمن سيقترعون، كما أن من سيصوّت لـ"البديل" لن يجاهر بذلك، فيما ستكون أرقام "المسيحي الديمقراطي" أقل من المتوقع تعبيراً عن عدم رضا الناخبين عن سياسة الترحيب التي اعتمدتها ميركل مع اللاجئين عام 2015.