قد لا يكون الأمر غريباً بالنسبة لرجل أعمال وعلاقات عامة مثل مانفورت، تمتد علاقاته وارتباطاته المالية من روسيا، حيث يتشارك الاستثمارات مع عدد من رجال الأعمال القريبين من الكرملين، وأيضاً من أثرياء المافيا الروسية، إلى أوكرانيا حيث تجري محاكمته بتهم الفساد المالي وعقد صفقات مشبوهة مع رئيس الحكومة الأوكرانية السابق، فيكتور يانوكوفيتش، حليف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. لكن الغريب أو غير المفهوم أن يختار الأكراد عراباً في واشنطن تحوم حوله الشكوك والشبهات، وقد توجه إليه قريباً لجنة تحقيقات مولر لائحة من الاتهامات، منها ما يتعلق باحتمالات الاختراق الاستخباراتي الروسي لحملة ترامب، ومنها ما يتعلق بقضايا فساد مالي وتهرب ضريبي.
طبعاً يطمع الأكراد بأن يساعدهم مانفورت في طرح وجهة نظرهم داخل البيت الأبيض، والترويج لقيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق لدى أصحاب القرار في واشنطن، ومحاولة تعديل الموقف الأميركي الرسمي، المجبر على الأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفائه في أنقرة وبغداد، إضافة إلى تأثير الخطوة الأحادية الكردية على الحرب الدولية ضد تنظيم "داعش" في سورية والعراق. وحسب سجلات وزارة العدل الاميركية فقد دفعت حكومة رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، خلال الاشهر الثلاثة الأخيرة، أكثر من مليون ونصف المليون دولار لمراكز أبحاث أميركية ومجموعات ضغط للحصول على دعم في واشنطن لاستقلال كردستان. وذكر تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، الأسبوع الماضي، أن مانفورت وافق على الإشراف على الاستفتاء الكردي ضمن خطة تهدف للحصول على اعتراف غربي بالدولة الكردية المفترضة، بعد اجتماعه قبل أشهر مع مبعوث خاص من قبل مسعود البارزاني، وقد جهزت السلطات الكردية مكتباً خاصاً لمانفورت في مدينة أربيل في شمال العراق من أجل إدارة عملية الاستفتاء ميدانياً. ونقلت الصحيفة الأميركية عن متحدث باسم مسرور، نجل مسعود البارزاني، تأكيده أن توظيف مانفورت يرتبط بالاستفتاء وما بعد الاستفتاء، من دون أن يذكر المسؤول الكردي، الذي رفض الكشف عن اسمه، أي تفاصيل عن طبيعة المهمة التي سيقوم بها الخبير الانتخابي الأميركي (مانفورت كان أيضاً مدير الحملة الانتخابية للرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون) والمبالغ المالية التي تلقاها مقابل الخدمات التي يقدمها، لكنه أوضح أن الاختيار وقع على مانفورت بسبب خبرته في عمليات الاقتراع وعلاقاته الدولية.
وفي حديث مع "نيويورك تايمز" رفض محامي مانفورت الإفصاح عن المبالغ التي تلقاها من حكومة كردستان، وما إذا كان أبلغ عنها السلطات المختصة في وزارة العدل كما تفرض قوانين عمل مجموعات الضغط التي تعمل لصالح حكومات وقوى خارجية، لكن المحامي أكد أن موكله سيقوم بكل الإجراءات القانونية المطلوبة منه. وأشار مقربون من مانفورت إلى أنه عانى، في الفترة الماضية، من ضغوطات مالية، بسبب تشعب التحقيقات والقضايا المرفوعة ضده، الأمر الذي يتطلب ميزانيات مالية كبيرة لتسديد أتعاب فريق المحامين ومصاريف المحاكمات. ولم توقف التحقيقات أعماله وتمنعه من السفر لعقد صفقات في الصين وسنغافورة. وفي مايو/أيار الماضي، عقد في نيويورك اجتماعات مع متمولين على علاقة بالحكومة الصينية، لبحث خطط لاستثمار شركات صينية نحو 30 مليار دولار في جزيرة بورتوريكو الأميركية (قبل الكارثة التي أصابتها جراء إعصار ماريا أخيراً). كما توسط مانفورت مع الصين من أجل تقديم قروض بمليارات الدولارات للحكومة الإكوادورية.
وحذر الدبلوماسي الأميركي السابق، بيتر غالبيرث، الأكراد من أن مشاكل مانفورت الشائكة ستلحق ضرراً كبيراً بقضيتهم. وقال لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن "شخصاً هو محور تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لن يكون قادراً على القيام بمهمة المرافعة عن القضية الكردية في واشنطن"، لكن غالبيرث استدرك قائلاً "لكن علاقته بالرئيس قد تساعد". وساعد مانفورت في عملية الإشراف على الاستفتاء الكردي فيليب غريفن الموجود أيضاً في أربيل. وعمل غريفن ومانفورت معاً في أوكرانيا في العام 2011، عندما كان فيكتور يانوكوفيتش، صديق الكرملين، رئيساً للحكومة في كييف. وقد عمل أيضاً مع السفير الروسي السابق في واشنطن، سيرغي كيسلياك، وشارك في عدد من اللقاءات التي عقدها السفير الروسي مع شخصيات مقربة من ترامب عندما كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية عن الحزب الجمهوري.