عادت روسيا إلى واجهة المشهد الليبي مجدداً، لكن هذه المرة من باب آخر، إذ إن فشل اللواء المتقاعد خليفة حفتر في تحقيق مشروعه العسكري على كامل الأراضي الليبية، مع تزايد النفوذ الأميركي والغربي بصفة عامة في هذه البلاد، أجبرا موسكو على الانخراط في مسارات دعم التوافق السياسي.
ونقلت وسائل إعلام روسية عن مصادرها، يوم أمس الأربعاء، أن موسكو تقوم بالإعداد للقاء قريب سيجمع بين حفتر ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج.
وقالت ذات المصادر إن "السراج وافق مبدئياً على هذا اللقاء الذي سيكون تكملة للقاءات أبوظبي وباريس، كاشفة أن المقترح تقدم به وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، للسراج أثناء لقائه به على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي".
ومنذ بروزه كقائد لعملية الكرامة إبان عام 2014، انحازت روسيا لحفتر ووصفت مناوئيه في غرب البلاد، لاسيما قوات فجر ليبيا، بالمجموعات المارقة، لكنها عدلت عن خطابها السياسي إبان توقيع اتفاق الصخيرات نهاية عام 2015، الذي أنتج حكومة الوفاق. وبالرغم من إعلانها تأييد الاتفاق السياسي كمخرج للأزمة في البلاد، إلا أنها لم تخف وقوفها خلف حفتر، الذي وصفه مراقبون للشأن الليبي برجل موسكو في ليبيا.
وفي إبريل/نيسان الماضي، وصلت سفينة حربية روسية إلى المياه الإقليمية الليبية شرق البلاد، وظهر حفتر ببزّته العسكرية يتجول على متنها ويلتقي قادة عسكريين روساً، ما اعتُبر وقتها تأييدا روسيا ظاهرا لحفتر.
وللتأكيد على هذا الموقف، فقد استُقبل حفتر فى موسكو مثل زعيم دولة يلتقي كبار الوزراء ومسؤولين أمنيين، بمن فيهم وزير الخارجية ووزير الدفاع ووزير مجلس الأمن. حتى إن غينادي جاتيلوف، نائب وزير الخارجية، وصف حفتر بأنه "شخصية سياسية وعسكرية رائدة".
وإن تضاربت الأنباء حول صحة وصول إمدادات عسكرية من موسكو لقوات حفتر، إلا أن دعم موسكو لحفتر ماديا لم يخفه الطرفان، فقد طبعت موسكو 4 مليارات دينار ليبي للبنك المركزي التابع لحفتر شرق البلاد منتصف عام 2015، كما أنها لم تخف إرسال فنيين عسكريين لمساعدة قوات حفتر في صيانة وتطوير بعض أسلحتها المصنوعة روسيا في ذات العام.
ويبدو أن ليبيا باتت تشكل ساحة للتنافس الدولي، وبالتالي فإن روسيا تطمح إلى إيجاد موطئ قدم ثابت لها فيها يمكّنها من العودة للمشهد السياسي الدولي، كفاعل مؤثر، كما هو الحال في الأزمة السورية.
وبحسب مراقبين، فإن الدعم الروسي لحفتر يتيح لها إنجاز صفقاتها الاقتصادية المؤجلة منذ سقوط نظام حليفها السابق معمر القذافي، فقد بلغت استثماراتها الاقتصادية في ليبيا ما يزيد عن الخمسة مليارات دولار في مجالات النفط، لاسيما وأن الهلال النفطي أهم مناطق النفط في ليبيا وقع تحت سيطرة حفتر مؤخرا.
كما سيمكّن حفتر روسيا من تعزيز موقفها العسكري في حوض المتوسط الذي تشترك فيه ليبيا مع دول أوروبية مهمة بالنسبة لروسيا. وقد جرى حديث متزايد عن نية إقامة روسيا قاعدة عسكرية شرق البلاد بالتعاون مع حفتر، وهو اتفاق سابق بين القذافي والجانب الروسي منذ عام 2008. ورغم نفي مسؤولين روس هذه المساعي إلا أن واقع الحال قد يشير إلى رغبتها في تواجد عسكري في المنطقة.
لكن السياسة الروسية، فيما يبدو، لم تكن تمنح "حفتر" ثقتها الكاملة، فهي تخشى من وضع كل ثقلها إلى جانب حفتر الذي لا يزال يعاني من عدم قدرته على الحسم العسكري مقابل خصوم عسكريين أقوياء في غرب البلاد، وخصومات أخرى اكتسبها مع مرور الوقت في دول جوار ليبيا كالسودان الذي اتهمه بدعم الإرهاب.
وتشير تصريحات قادة روس مؤخرا إلى ميلهم إلى دعم الوفاق السياسي الليبي وإمكانية لعب روسيا دور الوسيط في الأزمة الليبية من خلال تأثيرها على قرار حليفها "حفتر". لكن تلك التصريحات في ذات الوقت حملت تقريعا له ورسائل تفيد بأنها لم تعد تعوّل عليه وحده، ففي تصريح لـ"ليف دينغوف"، رئيس مجموعة الاتصال الروسية التابعة لوزارة الخارجية، أكد أنهم على اتصال بكل الأطراف في ليبيا، وقال "إننا لا نريد أن نرتبط بأي من جانبي النزاع"، معتبرا أن كلا من السراج وحفتر لا يمكنهما حكم ليبيا بحكم واقع البلا. وفي إشارة إلى تحول سياسة موسكو حيال حفتر، قال: "حفتر لم يلعب أي دور في تحرير سرت من تنظيم داعش"، فيما أثنى على جهود السراج، مما قد يشير إلى توجّه روسيا إلى سياسة جديدة حيال الملف الليبي.