قبل المناظرة بأيام، توقع مراقبون ومحللون أوروبيون بأن تكون فرصة لشولتز كي يقنع الناخبين بأنه البديل المعقول عن "موته ميركل"، أو الأم ميركل، وهو اللقب الذي يطلقه الألمان عليها أسوة بهيلموت كول الذي اعتبر أب الوحدة الألمانية.
ينظر إلى الانتخابات الحالية بشكل حاسم في سياق صراع معسكر اليمين المتشدد لتعزيز مكانته في الخارطة السياسية الألمانية، مع استغلال حزب "البديل لأجل ألمانيا"، لقضية اللجوء والهجرة التي يعتبرها "أحد أهم الأولويات" منذ أن تبناها في 2014، وتصاعد خطابه الناقد في مرحلة استقبال ما يقارب مليون لاجئ في 2015.
وقبيل المناظرة، التي بثت على أكبر محطات التلفزة الألمانية، تسلحت المستشارة الألمانية باستطلاعات منحت تحالفها المحافظ، الديمقراطي المسيحي، تقدماً بأكثر من 12 نقطة (الفرق حسب الفقرة التالية هو 14 وليس 12) في المائة على منافسها الاجتماعي الديمقراطي.
ففي الاستطلاع الذي أجراه معهد "إيمنيد"، ونشر يوم 2 سبتمبر/أيلول، أي قبل يوم واحد من المناظرة، حصل الاتحاد المسيحي على تأييد 38 في المائة من المستطلعين، بينما لم تتجاوز نسبة مؤيدي الاجتماعي الديمقراطي 24 في المائة، وبأكثر من 30 في المائة يتفوق حزب ميركل على حزب اليمين المتطرف "أيه إف دي" (البديل) الذي أعطته نتائج الاستطلاع 8 في المائة فقط.
ولم يغب عن بال "ديرشبيغل" أهمية المبارزة التي جمعت السياسيين الأبرز في الانتخابات، ميركل وشولتز، حيث صدر عدد السبت بتصدر حلبة ملاكمة تجمع السياسيين في "معركة المستشارية"، في حين اعتبرت وسائل إعلامية أخرى بطريقة تهكمية أنه "يمكن لميركل أن تأتي نائمة وتنتصر في المبارزة".
ولم تركز المناظرة على قضايا داخلية فحسب. فقد حضرت العلاقة المتوترة مع تركيا، إذ بدا شولتز أكثر حدة في موقفه من العلاقة مع أنقرة. فدعا الرجل إلى "قطع المفاوضات مع تركيا حول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وإلغاء اتفاق اللاجئين"، وهو الاتفاق الذي عقده الاتحاد الأوروبي العام الماضي ويقضي بتقديم مساعدة مالية إلى أنقرة مقابل إعادة ووقف تدفق اللاجئين عبر أراضيها ومياهها، ويتعرض لانتقادات متكررة. في حين بدا موقف ميركل أقل حدة، رغم محاولات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التأثير عليها، وإظهار امتعاضه من موقف برلين من بلاده، بدعوة الألمان من أصول تركية إلى عدم التصويت لها.
وذهبت ميركل لتقديم نفسها كسياسية مخضرمة ومجربة بتذكير شولتز أن: "المفاوضات مع تركيا هي شأن أوروبي". وذكرته أيضاً بأن زميله في الحزب سيغمار غاربييل، وزير خارجية ألمانيا في حكومة التحالف بين الطرفين، كان "حتى يوم الجمعة متفقاً معي بأنه لا يجب قطع المفاوضات"، وهو تلميح جعل "الاجتماعي الديمقراطي" يبدو غير منسجم داخلياً.
من جهته، حاول شولتز تلقف بعض القضايا الداخلية لإحراج ميركل بالثناء بداية على التزامها بوعدها بعدم رفع سن التقاعد من 67 حالياً إلى 70 سنة، ثم هاجمها بما سماه "تراجعاً عن تعهدات سابقة في قضايا داخلية، مثل عدم فرض ضريبة لاستخدام الطرقات السريعة".
وهاجم شولتز ما سماه "مسؤولية ميركل عن تدفق اللاجئين، وهي اعترفت بمسؤوليتها عن الفوضى التي خلقتها في أوروبا نتيجة سياسة الحدود المفتوحة في 2015، دون إشراك الزملاء الأوروبيين في القرار".
ولم تفوت ميركل هذه الانتقادات مذكرة بأنه "في 2015 كنا في ظروف إنسانية مختلفة، مع تدفق مئات الآلاف نحو أوروبا، لم يكن بالإمكان عمل شيء آخر، فلا يمكننا أن نستخدم خراطيم المياه لمنعهم، ولم يكن بالإمكان التوصل لحل أوروبي مشترك".
في الجزء الثاني من المناظرة برزت أيضاً قضايا العدالة الاجتماعية والسياسة الخارجية والهجرة ارتباطاً بالأمن. بيد أن الانتقادات التي وجهت للطرفين تمحورت حول "غياب مناقشة قضايا البيئة والتعليم، كقضيتين تهمان الشارع الألماني أكثر بكثير من قضية اللاجئين وفق استطلاعات أوروبية ظهرت الشهر الماضي".
وطُلب في نهاية المناظرة من المتنافسين الإجابة على سؤال "مع من يمكن أن تشكل الحكومة؟". فبالنسبة لميركل ظهر جلياً بأن تحالفها المسيحي الديمقراطي، تسي دي أو وحزبه الشقيق في بافاريا تسي سي أو، يضع خطوطاً حمراء حول إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية مع اليمين في حزب البديل أو اليسار من حزب لينكه. بيد أن شولتز كان أكثر ليونة في موقفه من إمكانية تشكيل حكومة بالائتلاف مع اليسار "دي لينكه"، وهو الأمر الذي قد لا يعجب كثيراً قواعد حزب الاجتماعي الديمقراطي بحسب خبير الانتخابات الألماني، سايغفريد ماتلوك، "ففي انتخابات مقاطعة هولشتاين وسارلاند عاقب الناخبون الاجتماعي الديمقراطي بسبب موقفه من إمكانية التحالف مع دي لينكه".
وبدا واضحاً من نتائج استطلاع قامت به محطة "آ أر دي" ARD" أثناء وبعد الجولة التنافسية، أن المستشارة الحالية خرجت رابحة بتصويت 55 في المائة لها "باعتبارها الأكثر إقناعاً"، في حين حصل منافسها مارتن شولتز على 35 في المائة. وفي محطة "زد دي إف" بدت النتيجة مختلفة، إذ حصلت ميركل على 32 في المائة في حين حصل شولتز على 29 في المائة. وبكل الأحوال يقدر المحللون في كبريات الصحف والمحطات الألمانية بأن شولتز قد قلل الفوارق بينه وبين ميركل، رغم أن الأخيرة ربحتها.
وينتظر أن يحسم الألمان موقفهم خلال الثلاثة أسابيع القادمة، للإجابة يوم 24 سبتمبر/أيلول الحالي على سؤال أي من الأحزاب السياسية المتنافسة سيحتل منصب المستشارية ولون الحكومة التي يريد من السياسيين تشكيلها.