ووفقا لحديث السيسي الذي علّق عليه أهالي سيناء بالخوف من طبيعة المرحلة المقبلة، التي رأوا فيها رغبةً حثيثة من قبل الدولة لإشراكهم في الحرب ضد التنظيم، وفيما يبدو من حديث السيسي، فإن المساعدة إن لم تكن برغبة من الأهالي، فستكون إجبارية، من خلال دفعهم إلى مغادرة مدن محافظة شمال سيناء، كما جرى في مدينتي رفح والشيخ زويد. ووصل الحال إلى الاتجاه لتهجير آلاف السكان من جنوب مدينة العريش، ضمن مخطط إقامة حرم المطار.
ولطالما حاولت أجهزة استخبارات الدولة وجيشها استمالة الأهالي والقبائل البدوية إلى جوارها، وهذا لم يأتِ بنتيجة طوال السنوات الأربع الماضية، رغم أن الدولة سعت لتسليح بعض المجموعات العسكرية التابعة لقبيلة الترابين بمدينة رفح، وتشكيل وحدة عسكرية في مدينة الشيخ زويد، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل. حتى أنّ الدولة رأت في جريمة مجزرة "الروضة" فرصة سانحة لجلب القبائل إلى خندقها في مواجهة التنظيم، إلاّ أن القبائل كانت على درجة من الوعي حالت دون تحقيق رغبة الجيش والاستخبارات المصرية.
وبعد كل هذه المحاولات، باتت الدولة ترى في مساعدة الأهالي لها، أمراً إجبارياً لا مفرّ منه، وهذا ما كان واضحاً في نبرة حديث السيسي، مما يفتح الباب لتساؤلات عدة عن طبيعة المرحلة المقبلة، خصوصاً في مدينة العريش التي تمثّل عاصمة لمحافظة شمال سيناء، في ظلّ الحديث عن إقامة حرم المطار الذي سيلتهم نصف المدينة، بما في ذلك عشرات المباني الحيوية، كمراكز حكومية ومدارس ومستشفيات ومئات المنازل ومزارع المواطنين.
وتناقل أهالي سيناء المقطع المصوّر للسيسي الذي تحدّث فيه خلال لقاء على هامش مؤتمر "حكاية وطن" الذي أقيم في العاصمة المصرية القاهرة، عن ضرورة مساعدة الأهالي للدولة في تحقيق مخططاتها في سيناء خلال المرحلة الحالية، والذي كان محطاً لاهتمام وسائل الإعلام المصرية المكتوبة والمرئية، دوناً عن بقية التفاصيل التي جاءت في حديث الرئيس.
وتعليقاً على ذلك، قال رئيس اتحاد قبائل سيناء، إبراهيم المنيعي، لـ"العربي الجديد"، إن أهالي سيناء وقبائلها "لا يمكن لهم الانحياز لأي طرف في المعادلة القائمة في سيناء، خصوصاً أن أبناءها خسروا بشرياً ومادياً بسبب النزاع القائم وعلى يد طرفيه، التنظيم والدولة، على حد سواء"، مضيفاً أن "كل دعوات الدولة لإشراك المواطنين في سيناء بمواجهتها للتنظيم حتماً ستبوء بالفشل".
وأوضح المنيعي أنّ "حالة انعدام الثقة بالدولة والتنظيم، تعدّ أحد أهم أسباب رفض المواطنين للانحياز لأي طرف منهما طيلة السنوات الماضية، رغم أن التنظيم بحاجة للحاضنة الشعبية لتحمي ظهره وتقويه في الساحة بسيناء، وكذلك الدولة التي تسعى لجعل أهالي سيناء عيوناً على التنظيم، وإمكانية تطوّر ذلك ليصبحوا شركاء في المواجهة الميدانية معه. وفي كلا الحالتين، فإن قبائل سيناء على درجة من الوعي يحول دون تمكين أي طرف من رغباته سابقة الذكر".
من جانبه، قال باحث في شؤون سيناء، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه من الواضح أن تصريح السيسي "يمهّد لمرحلة جديدة تحمل مخططات موسعة تطاول بقية مناطق محافظة شمال سيناء"، مضيفاً "أن تأتي دعوة المساعدة من السيسي في هذا التوقيت الحساس وتزايد الحديث عن تهجير أهالي سيناء، يضع علامات استفهام عمّا تحمله المرحلة المقبلة".
وأوضح الباحث أيضاً أنّ جزءًا من المساعدة من وجهة نظر السيسي "تعني القبول بمخططات الدولة المصرية وإن كانت على حساب تركهم منازلهم وأراضيهم كما جرى في رفح وجنوب الشيخ زويد. وهنا الرسالة موجهة للمواطنين في مدينة العريش التي تتجه الأنظار إليها مع الحديث عن إقامة حرم المطار"، مضيفاً أنه "يبدو من حديث السيسي، أنه يرغب بتنفيذ المخطط من دون أية أصوات معارضة أو رافضة له، وأن تتم العملية بهدوء، خصوصاً بعد حالة السخط والتصعيد الإعلامي التي ترافقت مع خطة إقامة المنطقة العازلة في مدينة رفح على الحدود مع قطاع غزة".
على أية حال، تبدو الدولة المصرية ماضية في مخططاتها في سيناء، وترغب في موافقة الأهالي على ما تراه مناسباً خلال المرحلة المقبلة، وتؤكّد أن صمتهم عن تنفيذ المخططات يشكل مساعدة لها في حربها على الإرهاب، بينما على أرض الواقع يبقى المواطن السيناوي الخاسر الوحيد مما يجري في الساحة.