ومع الغموض الذي يرافق حوارات تشكيل الحكومة، التي تجرى في غرف مظلمة، يؤكّد مسؤولون أنّ الخروج من خانة المحاصصة الحزبية بات أمراً مستحيلاً في ظلّ الظروف التي يعيشها العراق، وأنّ عبد المهدي سيجبر في النهاية على تقبّل الواقع، والاتفاق مع بعض الكتل التي تمتلك المقاعد البرلمانية التي تزيد على نصف عدد البرلمان، ليشكل معها حكومة حزبية، ويضمن بالتالي ثقة البرلمان.
وفي السياق، قال النائب عن ائتلاف "دولة القانون"، جاسم محمد جعفر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "التفاؤل بإمكانية تشكيل عبد المهدي لحكومة تلبي طموح الشعب بعيد للغاية"، مبيناً أنّ "هناك جهات تتنافس على تشكيل الحكومة، وبعض هذه الجهات تمتلك قوة ومنعة لفرض إرادتها على الآخرين، ولا يمكن لأحد التخلّص من نفوذها".
وأوضح جعفر أنّ "الكتل السياسية تريد مناصب وزارية لكتلتها، حسب ثقلها البرلماني وعدد مقاعدها"، مبيناً أنّ عبد المهدي اليوم "ليس مطلق اليد بتحركاته لتشكيل حكومته، فهناك تدخّل حزبي وغير حزبي في هذا الأمر، وهناك تقاطع بوجهات النظر بين الأطراف السياسية. فزعيم تحالف سائرون مقتدى الصدر من جهته، ومن خلال تغريداته، يريد تشكيل حكومة مستقلّة، وقد بعث رسالة واضحة لمنع منح وزارة الداخلية مجدداً لوزيرها الحالي، القيادي بتحالف الفتح، قاسم الأعرجي. بينما تريد الكتل الأخرى حصصاً وحقائب في الحكومة. فالأكراد على سبيل المثال، يأتون بشخصيات حزبية صرفة للحقائب الوزارية، كما أنّ السنة أيضاً يتحرّكون بأسماء واضحة حزبية للحقائب، في حين يريد تحالف الفتح وزارتي الداخلية والاتصالات، وكتلة الحكمة تريد وزارتي النقل والشباب، وغيرها"، مشدداً على أنّ "معنى ذلك هو أنّ الكتل تتقاتل على أن يكون لها وزير، والبعض يريد وزارات سيادية".
وأكد جعفر أنّ "التحديات والصعوبات كبيرة جداً أمام عبد المهدي، وهناك الكثير من القضايا المعقدة التي ستواجهه، فيما يسعى هو لتشكيل حكومة مستقلة غير مفروضة عليه"، مبيناً أنّ "الأمر المهم هو أنّ عبد المهدي لا يمكنه الحصول على ثقة لحكومته من دون حصوله على 166 صوتاً من داخل البرلمان، أي النصف زائد واحد، وهذا الأمر يضعه في زاوية ضيقة جداً، فلا يستطيع أن يتجاوز الكتل السياسية من دون أن يرضيها".
وأضاف جعفر أنّ "عبد المهدي سيضطر في نهاية المطاف إلى أن يذهب مع كتل سياسية ممن تمتلك 166 مقعداً برلمانياً أو أكثر، لتشكيل حكومته، وهذا خيار مطروح، ما يعني أننا سنعود من جديد إلى حكومة حزبية"، مستدركاً بالقول إنّ "هذا التوجه سيدفع ببعض الكتل إلى الذهاب للمعارضة، فيما ستكون بعض الكتل الأخرى خارج الحكومة، وهو الأمر الذي سيجعل من عمر هذه الحكومة قصيراً".
وفي خضم هذا التقاطع في المصالح السياسية، بدأت الكتل التي كانت داعمة لعبد المهدي، بالتخلي عنه، في مقابل تحقيق مصالحها الخاصة. وفي هذا الإطار، قال النائب عن الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، ماجد شنكالي، إنّ "الكتل الشيعية كسائرون والفتح ودولة القانون، التي دعمت عبد المهدي كمرشح تسوية، تنصّلت اليوم من وعودها له، في مقابل الحصول على مصالحها الخاصة".
وأشار شنكالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "عبد المهدي لم يقدّم برنامجه الحكومي إلى الآن، علماً بأنّه من المفترض أن يقدمها قبل اختيار الكابينة الوزارية"، مؤكداً أنّ "قرار مشاركتنا كحزب ديمقراطي، في حكومة عبد المهدي، مرهون بما تقرره قيادة الحزب".
وتؤكد جهات سياسية استحالة خروج عبد المهدي من نفق المحاصصة، رغم كلّ المحاولات لذلك. وفي هذا الإطار، قال رئيس كتلة "بيارق الخير" البرلمانية، النائب محمد الخالدي، في تصريح صحافي، إنّ "رئيس الحكومة المكلّف، لا يستطيع تشكيل الحكومة المقبلة، إذا أراد الابتعاد عن المحاصصة بمختلف مسمياتها، وسيتجاوز المهلة الدستورية المتبقية له، في حال أصرّ على تشكيل حكومة خارج هذا المبدأ".
وأشار الخالدي إلى أنّ "كتلتنا عددها قليل، وستشترك مع كتلة أخرى لتقديم مرشح لمنصب وزاري من غير النواب، ومباحثاتنا مستمرّة مع كثير من الكتل الأخرى لترشيح شخصية تخدم المجتمع، ومن خارج البرلمان".
ويرى مراقبون أنّ الفترة المتبقية دستورياً أمام عبد المهدي، التي تنتهي في الثاني من الشهر المقبل، لا تسعفه بتجاوز كل هذه التقاطعات السياسية. وتعليقاً على ذلك، قال الخبير السياسي، عدنان الشجيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "عبد المهدي سيعجز عن تقديم حكومة مستقلة أمام كل تلك التقاطعات، وسيقبل أخيراً بالضغوط الحزبية ويمنحها حقائب وزارية مهمة، مقابل الحصول على دعمها". وأكد الشجيري أنّه "بخلاف ذلك، فإنّ عبد المهدي سيفشل بتقديم حكومته، خلال المهلة الدستورية المتبقية أمامه". وتحتاج حكومة عبد المهدي المرتقبة إلى أصوات النصف زائد واحد من البرلمان، أي 166 نائباً، لتحصل على ثقته، ما يعني أنّه أصبح مجبراً على التوافق مع الكتل السياسية، لضمان الحصول على دعمها لحكومته برلمانياً.