الإمارات واستئجار قتلة مأجورين في اليمن: متى تحصل المحاسبة؟

23 أكتوبر 2018
تنامى دور المرتزقة في الفترة الأخيرة (كريم صهيب/فرانس برس)
+ الخط -
أزاح الكشف عن استئجار الإمارات فريقاً دولياً من المرتزقة الأميركيين لتنفيذ اغتيالات في اليمن، الستار عن خيوط واحدٍ من أخطر الملفات وأكثرها غموضاً، والتي لطالما بحث لها اليمنيون عن إجابات بين أشلاء ودماء العشرات من الوجهاء والشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، ممن قضوا كجزء من جريمة منظمة، مارستها أبوظبي بأيدٍ أجنبية ومحلية على امتداد عدن ومناطق جنوب وشرقي اليمن، منذ نحو ثلاث سنوات.

وعلى الرغم من مرور ما يقرب من أسبوع، على نشر تحقيق موقع "بازفيد نيوز" الأميركي، تحقيقه المثير للجدل، لم يصدر عن الإمارات، أي تعليق، يفند المعلومات التي تكشف تورطها باستئجار قتلة دوليين لتصفية أعداد غير قليلة من الشخصيات اليمنية، بين من قتلوا بدمٍ باردٍ على أبواب المساجد والمنازل ومركبات النقل وغيرها من الأماكن الخاصة والعامة، في حوادثٍ تكررت عناوينها في وسائل الإعلام على مدى السنوات الأخيرة، وبقيت لغزاً محيراً مع اختفاء أثر التحقيقات، التي تعلن عنها السلطات، عقب كل جريمة، تُلقي بالمسؤولية إلى "مجهولين".

في هذا السياق، قال الإعلامي اليمني عبد الرقيب الهدياني، الذي نجا من إحدى هذه العمليات لـ"العربي الجديد"، إن "ما كشفه التقرير الأميركي حول تجنيد الإمارات مرتزقة دوليين، واعترافهم بتنفيذ أكثر من 20 عملية اغتيال في عدن، يجب أن ينهي دور الإمارات ووجودها في اليمن على اعتبار أنها طعنت الشعب وحكومته وأخلّت بالمهمة التي منحت لها في اليمن"، في إشارة إلى دورها بتصدر واجهة التحالف إلى جانب السعودية في المناطق الشرقية والجنوبية لليمن.

وأضاف أنه "فيما كان غياب الموقف الحكومي من فضيحة بحجم كشف خيوط فريق جرائم، غريباً، بينما الواجب إنهاء دور الإمارات، لو أن لدينا حكومة مسؤولة وتنطلق من واجباتها في حماية السيادة اليمنية وحماية الوطن ومواطنيه، لكن لا شيء من هذا الموقف يمكن أن يصدر لأسباب تتعلق بوضع الحكومة وارتهانها للتحالف".

ولفت الهدياني إلى "وجود ضغط شعبيٍ وإعلامي مع منظمات حقوقية محلية ودولية لتحريك القضية على أعلى المستويات، وذلك لمقاضاة الإمارات على جرائمها عندما حولت عدن والمحافظات التي تديرها تحت لافتة التحالف الداعم للشرعية إلى ساحات لتصفية خصومها من سياسيين وناشطين ورجال دين وقيادات أمنية وعسكرية وهم بالمئات". وقال إن "هناك شواهد كثيرة على تورط الإمارات في جرائم كثيرة وسيتحرك أولياء الضحايا لمقاضاتها ولن تفلت هذه المرة من دفع الثمن".

وعلى مدى السنوات الأخيرة، منذ تصدّر الإمارات واجهة نفوذ التحالف في جنوب اليمن، ظل شبح الاغتيالات ملفاً يؤرق الكثير من اليمنيين، إذ شهدت المدينة العشرات إلى المئات من حوادث الاغتيال والمحاولات الفاشلة، وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، برصد ما يقرب من 26 عملية اغتيال طاولت خطباء وأئمة مساجد ودعاة من المنتمين لحزب الإصلاح والسلفيين ومن مستقلين، بالإضافة إلى اغتيالات استهدفت قيادات أمنية وعسكرية ونشطاء من الموالين للشرعية.



وفي الوقت الذي افتتح به التقرير معلوماته، بتوثيق إحدى أبرز العمليات التي كلفت بها أبوظبي فريق المرتزقة الأميركيين باستهداف القيادي البارز بحزب التجمع اليمني للإصلاح (المحسوب على الإخوان المسلمين)، إنصاف علي مايو، في ديسمبر/كانون الأول 2015، حصلت "العربي الجديد"، على قائمة بـ24 عملية بين اغتيال واستهداف وملاحقة استهدفت أعضاء ومحسوبين على حزب الإصلاح بين أواخر عام 2015 وحتى مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بدأت بأيدي المرتزقة الأجانب، مثلما تتوجه الإمارات للأذرع الأمنية والعسكرية التي انشأتها أبوظبي من يمنيين في وقتٍ لاحقٍ، وأبرزها قوات "الحزام الأمني" في عدن ومحيطها و"النخبة الحضرمية" في حضرموت و"النخبة الشبوانية" في شبوة جنوبي شرقي اليمن.

وكان التقرير الأميركي قد سلّط الضوء على تفاصيل عمل عسكريين سابقين في الجيش الأميركي أشهراً في شركة أميركية خاصة، استأجرتها الإمارات، وهي "سبير أوبرايشنز غروب" (Spear Operations Group)، أسسها أبراهام غولان في ولاية ديلاوير الأميركية، والأخير هو متقاعد أمني مجري إسرائيلي، قاد فريق الاغتيالات، وتحدث بتفاصيل بعض العمليات في التحقيق، بما فيها العملية الأولى التي استهدفت انصاف مايو في 29 ديسمبر 2015، في مقر حزب الإصلاح، الذي كان مجتمعاً فيه الهدياني مع 24 شخصاً، بينهم عشرة صحافيين.

ومن أبرز ما تضمنه التحقيق شهادات موثقة لمرتزقة عملوا مع الإمارات لتنفيذ اغتيالات في اليمن، وتفاصيل تجنيدهم ونقلهم إلى قواعد عسكرية إماراتية ولقائهم بالمسؤولين الإماراتيين. وورد أن "إماراتياً يرتدي الزي الرسمي، قدّم للمرتزقة قائمة أهداف تضم 23 بطاقة تحتوي 23 اسماً و23 وجهاً، وكل بطاقة كانت بها معلومات استخبارية عن دور الشخص في السياسة اليمنية مثلاً". وأضاف التقرير أن "الفريق يحصل على 1.5 مليون دولار شهرياً، ومكافآت مقابل عمليات القتل الناجحة".

وتعد فضيحة فريق القتلة الدوليين، الحلقة الأحدث، وربما الأخطر، بالنسبة للإمارات في اليمن، لكنها ليست الأولى، إذ سبق أن كشفت تقارير دولية عن عمليات تعذيب وحشية مارستها الإمارات وقوات موالية لها جنوب اليمن، في سجون سرية. كما تدعم الإمارات الانفصاليين بصورة علنية ودخل حلفاؤها بصراع مسلح مع القوات الحكومية أكثر من مرة، لكن الكشف عن خيوط لغز الاغتيالات، مثل تطوراً غير مسبوق، خصوصاً أن الجزء الآخر، من تفاصيله الدامية، لا يزال حاضراً في أذهان اليمنيين، الذين تابعوا أحداث مسلسل الاغتيالات في السنوات الأخيرة. وعلى ضوء التقرير، تبرز التساؤلات عما إذا كان الكشف، يمثل خطوة في طريق فتح ملف المسائلة عن جرائم ارتكبت في اليمن، أو بما من شأنه وقف مسلسل الاغتيالات عل الأقل.