وقالت مصادر قضائية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إنّ ضعف الضغوط وعدم اقتران الأسئلة، التي وجهت للرئيس المصري وفريقه خلال رحلتهم الأخيرة إلى نيويورك عن القضية، بتهديدات صريحة، في ظلّ تراخي الإدارة الأميركية وإعادة صرف المساعدات السنوية العسكرية والاجتماعية للقاهرة، كلّها عوامل شجّعت السيسي على إعلان التصعيد في القضية مرة أخرى، علماً بأنه ما زال محظوراً النشر فيها في وسائل الإعلام المصرية.
وكان الحقوقي الشهير المعارض خالد علي، هو الوحيد على الساحة الذي لم تشمله التحقيقات حتى الآن، منذ فتح القضية عام 2015. كما كان الوحيد المسموح له بالسفر وحرية الحركة حتى الأسبوع الماضي فقط، رغم اتهامه ومحاكمته في قضية ارتكاب فعل فاضح على مدى العامين الماضي والحالي، الأمر الذي يدل، بحسب المصادر، على قرب انتهاء التحقيقات وإحالة القضية للمحاكمة.
وعلى المستوى السياسي، يبدو من مجريات التحقيق أنّ القضية عندما ستحال للمحكمة لن يكون فيها، على الأرجح، أي متهم غير مصري، خشية إغضاب الدول الأجنبية التي ما زالت رغبة السيسي في تهدئة الأوضاع معها سبباً في تعطيل القضية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا. ويأتي ذلك في ظلّ استمرار المأزق الذي وضع السيسي نفسه فيه بعد إصدار قانون العمل الأهلي المرفوض من الدول الأجنبية، وعدم مبادرته لتعديله على مدار عام ونصف العام، رغم تعهده بذلك.
أمّا على المستوى القانوني، فكانت هيئة التحقيق قد أرسلت إشعاراً في يونيو/ حزيران الماضي إلى وزارة العدل ورئاسة الجمهورية، تشير فيه إلى ضرورة سرعة التصرّف في القضية، بسبب وجود مشاكل قد تلقي بشبهات قانونية على الموضوع مستقبلاً، نتيجة استمرار عمل هيئة التحقيق لمدة طويلة، تزيد على أربع سنوات، وعدم عرض أمر استمرار انتداب أعضائها للتحقيق على الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة.
وأوضحت المصادر القضائية نفسها أنّ دائرة السيسي كانت السبب في تعطيل إحالة القضية في مارس/ آذار الماضي، بسبب ورود تقارير دبلوماسية تفيد باستمرار ورود تساؤلات وانتقادات من دوائر غربية لملف العمل الأهلي والحقوقي في مصر، وكذلك بهدف طمأنة الدول الغربية، خصوصاً بعد تزايد الانتقادات الدولية للممارسات الحكومية في مجالي الأمن والحقوق السياسية، وهو ما دعاها (دائرة السيسي) لمحاولة محاصرة المخاوف الأجنبية من تحريك القضية، بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية الماضية.
وأضافت المصادر أنّ "القضية أصبحت متكاملة الأركان، وتمّ بالفعل إعداد مسودة لقائمة الاتهامات، إذ تتضمّن تقارير من الأمن الوطني والاستخبارات العامة وجهاز مكافحة غسيل الأموال، تثبت ضلوع كل من النشطاء جمال عيد وخالد علي وحسام بهجت وبهي الدين حسن وعزة سليمان ومحمد زارع وناصر أمين وإسراء عبدالفتاح وحسام علي وغيرهم، في تلقي أموال بالمخالفة للقانون من جهات أجنبية، وتأسيس مراكز ومنظمات بالمخالفة لقانون الجمعيات الأهلية وعدم المبادرة لتصحيح أوضاعها، ونشر تقارير مسيئة لمصر في الخارج، وتهرّب بعضهم من دفع الضرائب المستحقة للدولة، وسعي بعضهم بالتعاون مع آخرين إلى قلب نظام الحكم". وتوقعت المصادر أن يتم التحفّظ على أموال خالد علي خلال أيام، بعد عرض طلب هيئة التحقيق ذلك من محكمة جنايات القاهرة، حسب الإجراءات المعتادة في هذه القضية.
وعلى الرغم من نجاح نظام السيسي في الربع الأخير من العام الماضي في تعطيل عمل المنظمات والمؤسسات الأميركية والأوروبية المانحة لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في مصر، بحجة وجوب توفيق أوضاع هذه المنظمات المصرية أولاً، التزاماً بقانون الجمعيات الأهلية الجديد الصادر في مايو/ أيار الماضي، إلّا أنّ المنظمات الأجنبية أبلغت سفارات دولها في مصر بضرورة محاولة تخفيف القيود التي يفرضها السيسي على المجال العام، لتمكينها من العمل في الأنشطة التعليمية والثقافية والاجتماعية.
وكانت مستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي، الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا، قد أعدّت بالتعاون مع الاستخبارات العامة ووزارة الداخلية والبنك المركزي المصري ووزارة التضامن الاجتماعي، قائمة بأبرز المنظمات والمؤسسات الأميركية التي تدعم مالياً الأنشطة السياسية والتثقيفية والاجتماعية في مصر، بما في ذلك المنظمات التي تقدّم الدعم المالي رأساً لجهات حكومية أو تعليمية مصرية، وتمّت مخاطبة واشنطن لتعطيل الدعم المتدفق منها مؤقتاً لحين انتهاء المهلة المحددة في قانون الجمعيات الأهلية لتوفيق الأوضاع.
وترتّبت على ذلك مطالبة بعض المنظمات الأجنبية للجمعيات المصرية التي تدعمها بإجراء تعديل عاجل في سياساتها ونطاق عملها، بحيث يتم التركيز على الأنشطة التعليمية والتثقيفية والابتعاد عن القضايا السياسية الخلافية مع النظام، خشية تعطيل أعمالها في مصر، وكذلك الابتعاد عن التواصل مع جماعات الضغط السياسي من الأحزاب اليسارية والمنظمات الحقوقية غير المعترف بها من قبل الحكومة أو النشطاء المشمولين في تحقيقات القضية، الأمر الذي أدى، بحسب مصادر دبلوماسية، لوقف عدد من المنظمات عملها في مصر، وآخرها المعهد السويدي في الإسكندرية.