يظن البعض مخطئاً أن الشارع العربي ينتظر أن تقوم واشنطن، والغرب عموماً، بدور الشرطي وقاضي العالم، خصوصاً حين يخرج عتاة اليمين في هذا الغرب مرددين كذبة: تلك قضاياكم فحلوها بأنفسكم.
ساهم ارتفاع منسوب وعي الشارع العربي بشأن تعقيد تشابك القضايا، في انكشاف لعبة حماية الغرب، وواشنطن تحديداً، للأنظمة القمعية العربية. لم يعد سهلاً تمرير نفاق الغرب بشعارات حقوقية وقيمية، وبتنظيراته عن الحرية والعدالة والديمقراطية، فيما تعطيله لها عربياً يكشف ازدواجية معاييره بفضائحية مدوية وبإفلاس أخلاقي. وذلك من أخطر ما تساهم فيه بعض العواصم الغربية من خلال حماية القمع ضمن مشوار طويل ومستمر. في مفارقة ليست أقل خطورة، انضمت روسيا إلى هذا النادي بذريعة/كذبة "مكافحة التشدد والتطرف"، بعيداً عن الخوض في الأسباب وتغذية التربة الخصبة قهراً وتغييباً للعدالة.
بعيد فض دموي لاعتصام رابعة في القاهرة، كانت للعربي تجربة أخرى من بين تجارب كثيرة، مع تناقض القيم والعقود التجارية لإجهاض الديمقراطية. كشفت مذابح السلاح الكيميائي في سورية القصة كلها.
في النتيجتين، فُرش السجاد الأحمر في عواصم غربية لزعيم الانقلاب في مصر. ولإيجاد "مخرج" لورطة مذبحة النظام السوري، أبدى الغرب، وعلى رأسه واشنطن، وبالتعاون التام مع موسكو وفي ظل صمت عربي، رضاه بسحب سلاح الجريمة، دون عواقب قانونية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فتواصل قتل مئات الآلاف والضرب بالكيميائي مرات... بتجاوز هراء الخطوط الحمر.
على مدى سنوات، انكشف التعبير الأكثر صدقاً لمشروعية الأنظمة، المرتكبة الموبقات والإجرام بحق الشعوب، وذلك عبر كسب مباركة تل أبيب ولوبياتها لإنقاذ هذه الأنظمة.
وربما لسرعة واتساع وسائل المعرفة والاطلاع صار سهلاً على الشارع العربي اكتشاف أسباب الشك التاريخي في حقيقة استقلال وسيادة الدولة العربية لما بعد الاستعمار. لمرات ومرات، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد اغتيال جمال خاشقجي، التذكير بالدور السعودي وأهميته، ليس لعمقه العربي، بل في أكثر المجالات حيوية: المال وأمن النفط ومستقبل إسرائيل.
لذا، يستعاض عن لعبة تسليم الرياض سلاح الجريمة بكذبة اعتقال أدواتها. ويستكشف الشارع العربي معاني إصرار بعض الغرب على اختزال الأوطان بالنخب السائرة وفق مخططاته ومصالحه. فيبدو الاستثمار بـ"الأمير الشاب" أوضح اليوم من الأمس، وبالتحديد لتمرير مشروع جعل عواصم الحكام عمقاً لديمومة الاحتلال، بصفقات مشبوهة. وعليه، لم يعد سراً مقصد بروباغندا التلميع وإعادة التسويق بزيارات الإنجيليين الصهاينة، وتصريحات تركي الفيصل لطمس معالم الجريمة.
إذاً، الشارع العربي لا يبحث عن شرطي ولا قاضٍ، بل أن يتوقف الغرب عن حماية المجرمين وتسويقهم.