وبات تشكيل "المجلس الاستشاري للمصالحة" أمراً شبه مؤكد، إذ تحدّث بشأنه الرئيس الأفغاني، أشرف غني، كما تطرّق إليه خليل زاد عند عودته من الدوحة، خلال حديثه مع بعض الإعلاميين في السفارة الأميركية في الـ18 من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، قائلاً "آمل أن تشكّل الحكومة إدارة للمصالحة يجمع عليها الأفغان، وتكون محطّ اهتمام الجميع، بدلاً من المجلس الأعلى للمصالحة الحالي".
ووفق الرئاسة الأفغانية، فإنّ المجلس الاستشاري سيتكوّن من مندوبي الأحزاب السياسية ومندوبي الأقاليم، وقد يصل عدد أعضائه إلى العشرات، على أن تكون مهمته تقديم المشورة للحكومة بشأن المصالحة الأفغانية وأخذ قرارات مهمة بهذا الشأن بالتشاور معها. وكان الظنّ السائد في البداية أنّ المجلس الاستشاري سيحلّ محلّ "المجلس الأعلى للمصالحة"، ولكن الرئاسة الأفغانية أكّدت في بيان لها أنّ "المجلس الأعلى" سيبقى قائماً. ولكن رغم ذلك، فإنّ قيادة المجلس وأعضاءه ما زالوا قلقين بشأن القرار الجديد ومصيرهم. وفي هذا الإطار، قالت العضو في المجلس، حبيبة سرابي، في تصريح صحافي، إنّ "قضية تشكيل المجلس الاستشاري مطروحة ولا ندري ماذا سيكون مستقبل المجلس الأعلى للمصالحة، الذي كان له دور كبير في لمّ شمل الأفغان".
في المقابل، وعلى الرغم من استياء أعضاء المجلس الأعلى، رحّب معظم السياسيين بقرار الحكومة بتشكيل المجلس الجديد، واستشارات الرئيس بشأنه. وفي هذا الإطار، قال قيادي في "الحزب الإسلامي"، محمد نادر أفغان، في حديث لوسائل إعلام محلية، إنّ "المجلس الاستشاري إذا كان شاملاً لجميع الأحزاب والعرقيات، وإذا كان حراً ولا يكون للأجانب تأثير عليه، فهو نافع جداً، لأن المجلس الأعلى للمصالحة لم يجدِ نفعاً".
بدوره، قال المرشّح المحتمل للرئاسة وعضو "جبهة الحراسة والثبات الأفغانية"، محمد داود عمرزي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تشكيل المجلس أمر مرحب به، ولكنه لم يأت عبر مبادرة من قبل الرئيس، بل أتى نتيجة الضغوط السياسية عليه، لأنّ المجلس الأعلى للمصالحة لم يكن ذا فائدة أو جدوى في ما يتعلّق بالمصالحة الأفغانية". لكنّ الناطق باسم الرئاسة، محمد هارون جغانسوري، ناقض هذه التصريحات، وقال في بيان رئاسي إنّ المجلس الاستشاري "مبادرة من قبل الحكومة، الهدف منها أن تكون جميع الأطياف الأفغانية مشتملة في عملية المصالحة"، رافضاً في الوقت نفسه الادعاء بأنّ "المجلس الأعلى للمصالحة لم يكن مجدياً، بل كان قد أحرز تقدماً كبيراً، ومنه المصالحة مع الحزب الإسلامي"، على حدّ قوله.
إلى ذلك، فإنّ قضية أخرى تشغل الساحة الأفغانية، وتأتي أيضاً في إطار الحوار والمفاوضات مع "طالبان"، وهي تأجيل الانتخابات الرئاسية. ورغم أنّ الحكومة لم تتحدّث بشأنها بعد، ولا تزال لجنة الانتخابات تؤكّد في العلن أنّ الانتخابات في موعدها، إلا أنّ تعاملها مع الانتخابات البرلمانية التي جرت في 20 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، والتي لم تعلن نتائجها بعد، توحي بأنّ هناك نيّة للتأجيل. وتشير إلى ذلك أيضاً تصريحات خليل زاد الأخيرة، إذ قال عندما سئل في السفارة الأميركية حول خيار تأجيل الانتخابات إنّ "القضية الأهم للأفغان هي المصالحة، بينما تبقى الاستعدادات للانتخابات الرئاسية جارية والولايات المتحدة الأميركية تدعم القضيتين، ولكن الأولوية للمصالحة".
أمّا السياسيون في أفغانستان، فجلّهم يرون أنّ الانتخابات لا بد أن تكون في موعدها وفق الدستور، لكن هناك أيضاً من يرى أنّ التأجيل خيار أفضل بشرط أن تكون هناك مؤشرات لنجاح عملية المصالحة، لا سيما إذا ما كان إجراء الانتخابات يعرقل تلك العملية. وفي السياق، أشار رئيس حزب "الوفاق الوطني"، أحمد ولي مسعود، في بيان لحزبه، إلى أنّ تأجيل الانتخابات "سيدفع البلاد نحو أزمة جديدة، لا تحمد عقباها"، معتبراً أنّ ذلك "مؤامرة لتمديد فترة الحكومة الحالية". وأكّد مسعود أنّ "الأحزاب السياسية لن ترضى بذلك مهما كان السبب وراءه، ومهما كان الهدف، ولا خيار سوى إجراء الانتخابات في موعدها".
أمّا قضية الحكومة الانتقالية، التي تحدّث بشأنها بعض السياسيين وبعض وسائل الإعلام، قائلين إنّ ذلك كان مطلب "طالبان" خلال مباحثاتها مع خليل زاد في الدوحة قبل أيام، فهي أكثر القضايا حساسية بالنسبة للحكومة الأفغانية والرئاسة. فقد اعتبرت الحكومة هذا الطرح "محاولة للقضاء على كل ما أنجزه الأفغان خلال عقدين ماضيين وبداية جديدة من الصفر"، مضيفةً أنّ "هذا أمر غير مقبول بالمرة لدى الأفغان". وهو ما يعني أنّ تأجيل الانتخابات الرئاسية، بحال حصل، ستسعى الحكومة من خلاله لتمديد فترتها، وليس تشكيل أي حكومة جديدة.
وقد أصدرت الرئاسة الأفغانية، قبل أيام، بياناً مفصلاً، قالت فيه إنّ "خيار تشكيل الحكومة الانتقالية هو محاولة في الأساس للقضاء على المؤسسة العسكرية، التي أضحت أفغانستان بأمس الحاجة إليها من أي شيء آخر".
كذلك علّق مستشار الرئيس الأفغاني، فضل محمد فضلي، على صفحته على موقع "فيسبوك"، على هذا الطرح، قائلاً إنّه "خلال الأيام الأخيرة طرح بعض السياسيين وبعض وسائل الإعلام خيار الحكومة الانتقالية، ولكننا نقول بكل وضوح إنه خيار ساقط لا يقبله الأفغان، وموقف الرئاسة الأفغانية واضح حياله، وهو الرفض التام".
وشبّه فضلي هذا الخيار بخطة بنان سيوان، وهي محاولة أممية لإجراء مصالحة بين المجاهدين الأفغان وبين حكومة الرئيس الأفغاني الأسبق، محمد نجيب الله، بعد انسحاب القوات السوفييتية من البلاد في تسعينيات القرن الماضي. وقد تسبب ذلك في القضاء على مؤسسات الدولة بشكل كلي، كما دُفعت البلاد نحو أتون حروب داخلية. وشدد فضلي على "أننا لن نقبل بأي طرح مثيل، بل سنمضي قدماً في ترسيخ مؤسسات الدولة، مع العمل للمصالحة".
واتهم فضلي أيضاً بعض السياسيين بأنّهم يروّجون للفكرة "لأنهم محرومون ولا جذور لهم بين الشعب، لذا يسعون للوصول إلى الحكم بهذه الطريقة، لأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك من خلال العملية الديمقراطية والانتخابات"، وشدد على العمل لأجل المصالحة والحوار مع "طالبان"، مؤكداً أنّ ذلك على رأس أولويات الحكومة الآن. ولفت فضلي إلى أنّ "الخارجية الأميركية أيضاً رفضت خيار الحكومة الانتقالية في أفغانستان"، موضحاً أنه "لم يتم الحديث بهذا الشأن مع طالبان، لكن حتى لو تم أي حديث بين واشنطن والحركة بهذا الخصوص، فإنّ أفغانستان كدولة مستقلة ترفض الخيار، ولن ترضى بأي مساومة على مؤسساتها، لا سيما المؤسسة العسكرية".