ويواجه عبد المهدي تحدياً صعباً مع تشتت القرار السياسي لدى الأحزاب، واشتداد الخلافات بين الكيانات العراقية حول الحصص التي تطالب بها، إذ ترفض كتلة "عطاء" العائدة تنظيمياً لفالح الفياض وهادي العامري، أن يكون غير اسم الفياض مرشحاً لوزارة الداخلية، ذات الميزانية المالية العالية والمتحكمة بتوزيع نحو مليون عنصر أمن من الشرطة والشرطة الاتحادية وحماية المنشآت والعمليات الخاصة وأفواج الطوارئ وقوات سوات وتشكيلات أخرى مختلفة، في مناطق العراق، فضلاً عن سيطرتها على منافذ البلاد مع جيرانها.
أما مليشيا "العصائب" فمتمسكة بمرشحها للثقافة، ولا يختلف الأمر مع الأحزاب السنية المتسابقة على وزارة الدفاع، وتبادل الاتهامات بين المرشحين من الأحزاب ذاتها، بتهم تتعلّق بالفساد والانتماء لحزب "البعث" وتنظيمات إرهابية منها "القاعدة". كما أن الأكراد ينتظرون وزارة ثالثة كحصة لأحزاب إقليم كردستان، بعد أن تمكنوا من نيل وزارتي المالية والإعمار والإسكان. ونظراً لاتساع نفوذ "الحشد الشعبي" السياسي، فهو اليوم يدعم شقيقة زعيم مليشيا "بابليون" أسماء الكلداني، للحصول على وزارة العدل.
وتمثل الصراعات الداخلية بين الأحزاب السياسية التي تعتمد على استغلال اسم المكونات، السنية والشيعية والكردية، مفارقة لم تكن حاضرة خلال الحكومات السابقة التي مرّت بعد الاحتلال الأميركي (2003)، فقد كانت الأحزاب تدخل خلال المنافسة على المغانم الانتخابية وما تسمى بالاستحقاقات، بصفتها المذهبية والعرقية. أما حالياً فقد انقسمت الأحزاب الشيعية إلى قسمين بعد سلسلة إجراءات وقرارات اتخذها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والتوبيخ الصريح والاتهام العلني من الشارع للزعماء الشيعة. أما العرب السنة فقد تمكنت إيران من دفع بعضهم للتفاوض مع القوى الشيعية. ويتضح صراعهم الحالي على مناصب في الحكومة الجديدة، وتحديداً وزارة الدفاع، التي يريدها أكثر من طرف سني، أبرزها "ائتلاف الوطنية" لأياد علاوي، وأسرة "الكربولي". أما كردياً فإن الخلافات الحزبية التي وقعت عقب إجراء حكومة إقليم كردستان "استفتاء الانفصال" في 25 سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، فقد تفاقمت في ظلّ الأزمة الاقتصادية وتعطل دفع رواتب الموظفين.
ولم يغيّر عبد المهدي ورقته المعدة منذ أسبوعين كاملين، التي تضمّ أسماء الوزراء الجدد، منهم 14 وزيراً وافق البرلمان عليهم، أما الثمانية الآخرون، فقد أُدرجوا في اللائحة نفسها، ويريد عبد المهدي عرضها مرة ثانية على البرلمان، مع تعديلات بسيطة. وكشف مصدر مقرّب من عبد المهدي لـ"العربي الجديد" أن "رئيس الوزراء ما يزال مصرّاً على الأسماء التي قدمها لمجلس النواب خلال جلسة منح الثقة السابقة، وقد عمل خلال الساعات الماضية على بعض الأسماء وتوزيع الوزارات، بشكل طفيف"، لافتاً إلى أن "وزارة العدل قد تكون لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ووزارة الهجرة والمهجرين للمكون المسيحي، مع الإبقاء على باقي المرشحين، وبسبب الضغط الشيعي على عبد المهدي فإن اسم فالح الفياض سيكون حاضراً وقد يسبب مشاكل تعطل جلسة اليوم أو تفشلها".
في السياق، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، النائب السابق ماجد شنكالي، إن "عبد المهدي لم يعطِ المكون الكردي استحقاقه في الجلسة السابقة لمجلس النواب، إذ كان من المقرر أن تكون حصتنا وفقاً للاستحقاق الانتخابي 4 وزارات، ولكن بعد المفاوضات والمباحثات توصلنا إلى الاتفاق على ثلاث وزارات. وقد حصل المكون على وزارتين (المالية والإعمار والإسكان) والعمل جارٍ لنيل الثالثة، وسيتحقق الأمر في جلسة اليوم". وأشار إلى أن "الخلافات السياسية بشأن وزارتي الدفاع والداخلية لا تعني للأكراد شيئاً، كون الأحزاب الكردية منشغلة باستحقاقها، ولا علاقة لها بمن سيكون وزيراً للدفاع أو للداخلية. والأحزاب الكردية ليس لديها فيتو على اسم محدد بقضية الوزارتين الأمنيتين، كذلك مع وزارة الثقافة التي نشبت خلافات سياسية أخيراً بشأنها".
وتابع أن "لدى الأحزاب الكردية مرشحين اثنين، واحد لوزارة العدل والثاني لوزارة الهجرة، وتمت الحوارات بين الأحزاب داخل إقليم كردستان على كيفية إدارة الوزارات، وذلك لأن عملية تشكيل حكومة إقليم كردستان ستكون على وفاق مع تشكيل الحكومة، وهناك توزيع للمناصب في إقليم كردستان".
من جهته، استبعد عضو تحالف "القرار" أثيل النجيفي، أن "تفضي جلسة البرلمان اليوم إلى نتيجة ترضي الشعب، بسبب الخلافات السياسية حول المناصب". وقال النجيفي لـ"العربي الجديد"، إن "الأسماء المرشحة لبعض الوزارات التي اعترض عليها البرلمانيون العراقيون في الجلسة السابقة لن تمرر في جلسة اليوم، بسبب الاعتراضات الكثيرة بشأنها. وهناك حديث حول تأجيل عرض بعضها لتوقيت آخر"، موضحاً أن "المشاكل الحالية بين الكتل السياسية لا تتعلق بالأسماء الثمانية المتبقية، إنما على الوزراء الذين صادق عليهم البرلمان في الجلسة الماضية، لا سيما بعد التسريبات التي تحدثت عن شمول أربعة منهم بقرارات هيئة المساءلة والعدالة المتعلقة بتهم الفساد والإرهاب. ولكن مع هذا، فلا بد من التصويت على الثمانية قبل الشروع بمحاسبة الوزراء المتورطين بهذه التهم، لأن محاسبة من هو متهم من الوزراء المصوّت عليهم في الجلسة الماضية، سيؤدي إلى خلل بالتشكيلة الوزارية بأكملها، وأنها ستكون أقل من نصف عدد الوزارات، وبالتالي قد تسقط الحكومة. أي أن محاسبة 4 وزراء من أصل 14 وزيراً معناها أن عبد المهدي أصبح لديه 10 وزراء مصادق عليهم من قبل مجلس النواب، وهو أقل من نصف العدد البالغ 22 وزارة، وأخيراً تفقد الثقة".
إلى ذلك، رأى القيادي في تحالف "الفتح" رزاق الحيدري أن "الادعاء باختيار وزراء مستقلين لا علاقة لهم بالأحزاب هي بدعة وضحك على الشعب، وأن كل الوزراء الذي ادّعوا وادّعى معهم عبد المهدي أنهم مستقلون، لديهم علاقات بالأحزاب وقد وقعوا على ضمانات بعدم الزحف عن رؤية أحزاب معينة أثناء العمل الوزاري"، موضحاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "لا وجود لمستقلين حقيقيين في حكومة عادل عبد المهدي، وكل الوزراء الذين وافق عليهم البرلمان وسيوافق على ما تبقى منهم خلال جلسة اليوم، حصلوا على تزكية من الأحزاب وهم جزء منها وهي جزء منهم، وبعضهم في حقيقة الأمر يعملون بصيغة خدم للأحزاب لكنهم يدعون الاستقلالية ليخدعوا العراقيين". ورجح "فشل جلسة اليوم بسبب الخلافات بين الفتح وسائرون على تسمية المرشح لوزارة الداخلية فالح الفياض".
وفي بيان للنائب علاء الربيعي في البرلمان عن تحالف سائرون، التابع للصدر، قال إن "جميع الكتل اتفقت على التصويت في الجلسة المقبلة على 4 وزراء سيقدمهم عادل عبد المهدي فقط". الأمر الذي كشف عدم إمكانية اكتمال التشكيلة الوزارية خلال جلسة اليوم، في حين أشار مراقبون إلى أن "الأمر مرهون بالأسماء الجديدة التي قد يطرحها عبد المهدي، الذي ربما يفاجئ الجميع بتغيير كل أسماء ورقته التي تحمل الأسماء المرشحة للوزارات الشاغرة".