وأوضح التقرير أنّ مقاتلي التنظيم يمكن أن يكونوا قد لجأوا للاختباء في العراق وسورية، مضيفاً أنّ "مهمة وزارة الدفاع الأميركية هي التغلّب على داعش بشكل دائم، ومن الضروري إنشاء قوات أمن محلية قادرة على ضمان الأمن في العراق وسورية". ويعدّ هذا التقرير الصادر أخيراً عن هيئة التفتيش في البنتاغون، مؤشراً واضحاً على نيّة واشنطن البقاء طويلاً في منطقة شرقي الفرات التي باتت منطقة نفوذ أميركي بلا منازع، حيث أقامت الولايات المتحدة العديد من القواعد العسكرية في ريف حلب الشمالي الشرقي وفي أرياف الرقة ودير الزور والحسكة. ووفق التقديرات، هناك نحو 2000 عسكري أميركي في سورية، منهم من هو موجود في قاعدة "التنف" على الحدود السورية العراقية، مع عسكريين من دول "التحالف الدولي" وخصوصاً من بريطانيا وفرنسا.
وتبدو واشنطن هذه المرّة جادة في الحدّ من تأثير إيران في المشهد السوري، وتأتي العقوبات التي فرضتها مجدداً على طهران خطوة متقدّمة في هذا الاتجاه، في وقت باتت سورية ميدان تكاسر إرادات إقليمية ودولية وصراع على النفوذ بكل أشكاله. وتدرك واشنطن أنّ كسر الإرادة الإيرانية في سورية مقدمة لتحجيم الدور الإيراني الذي تعاظم إبان إرادة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، التي أدارت الأزمة السورية بطريقة فسحت مجالاً للروس والإيرانيين للتحكّم بمفاصل القرار في سورية.
وتبدو مهمة إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب صعبة، إذ زرعت إيران أذرعاً لها في كل سورية من خلال مليشيات يتحكّم بها الحرس الثوري الإيراني، قادرة على قلب أي معادلة حلّ لا يلبي المصالح الإيرانية. وتسعى واشنطن كذلك، إلى الحدّ من التفرّد الروسي بالحلّ السوري، والذي بات يتجلّى أكثر من خلال الدفع نحو إحياء العملية السياسية القائمة على قرارات الشرعية الدولية التي تحاول موسكو القفز من فوقها لترسيخ الوجود الروسي في شرقي المتوسط. ومن المستبعد أن تترك واشنطن سورية للروس يكرسون فيها حلولاً سياسية تؤثّر على المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط على المدى الطويل، لذا تسعى للتأثير بشكل مباشر في نتائج الحرب التي يبدو أنّ النظام وحلفاءه الروس خرجوا منتصرين فيها ويريدون فرض شروط المنتصر في أي تسوية سياسية مقبلة.
كما أنّ الروس أبرموا اتفاقيات مع النظام تتيح لهم بقاءً طويل الأمد في الساحل السوري في أكثر من قاعدة عسكرية، مما يدفع الأميركيين للبقاء مدة مماثلة في الشرق السوري الغني بالثروات وخصوصاً النفط والغاز، والذي يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يسمح لهم بالتحكم بالشرق الأوسط، وتوفير حماية إضافية لإسرائيل.
ويبدو أنّ واشنطن تجد صعوبة في تحقيق هدفها الثالث، وهو تحقيق الاستقرار في مناطق شمال شرقي سورية التي تم استردادها من تنظيم "داعش"، وهي في الغالب مناطق ذات غالبية عربية مطلقة، ولدى أهلها مخاوف من الوجود العسكري الكردي المتصاعد والمدعوم من الولايات المتحدة. كما أنّ سياسات الوحدات الكردية القائمة على الإقصاء والتهميش للغالبية العربية في منطقة شرقي الفرات، تقف حجر عثرة أمام تحقيق الاستقرار هذا، إضافة إلى أنّ المنطقة تعيش على قلق دائم بسبب المسعى التركي المتزايد لشنّ هجوم على الوحدات الكردية شرقي الفرات، والذي تتدخّل واشنطن كل مرة لإيقافه.
في ظلّ ذلك، ربّما تلجأ واشنطن إلى الخيار الصعب وهو إعادة النظام إلى شرقي الفرات، وفق شروطها، لتبديد المخاوف التركية من المساعي الكردية في فرض إقليم في المنطقة، مع الإبقاء على مزايا معينة للأكراد السوريين من قبيل حكم لامركزي في مناطقهم، مع الحفاظ على ثقافتهم، واعتبار "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية عمادها الرئيسي، جزءاً من قوات النظام. ولكن يبدو هذا الخيار مؤجلاً طالما أنّ هناك جيوباً لتنظيم "داعش" في شرق سورية، وخصوصاً في ريف دير الزور الشرقي، وطالما لم يدخل النظام في تفاوض جدي مع المعارضة السورية تحت رعاية الأمم المتحدة يفضي إلى حلّ سياسي دائم قابل للاستمرار.
وتحاول الإدارة الأميركية إمساك العصا من الوسط في علاقتها مع تركيا والأكراد في سورية، حيث تربطها مع أنقرة علاقة استراتيجية لا يمكن التفريط بها بأي حال من الأحوال، رغم أنّ هذه العلاقة مرّت بأزمات عدة خلال سنوات الثورة السورية، وكادت أن تنهار أكثر من مرة، ولكن حرص البلدين على هذه العلاقة حال دون ذلك. ولكن في المقابل، فإنّ واشنطن تعتمد على الوحدات الكردية كذراع برية لها في سورية، وهو ما يثير حفيظة أنقرة التي تخشى من فرض إقليم ذي صبغة كردية في شمال وشمال شرقي سورية تعتبره مساساً بأمنها القومي.
وفي السياق، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، أنّ تسيير أميركا لدوريات مشتركة مع قوات كردية على الحدود السورية التركية "أمر غير مقبول"، مشيراً إلى أنّه من المقرّر أن يجتمع مع نظيره الأميركي في باريس هذا الأسبوع، حيث سيناقش الدوريات التي تقوم بها الولايات المتحدة و"قوات سورية الديمقراطية"، والتي ستسبب "تطورات سلبية خطيرة" على طول الحدود، بحسب أردوغان. وحاولت واشنطن إرضاء أنقرة الثلاثاء من خلال عرض مكافأة مقابل معلومات عن قادة في "حزب العمال الكردستاني"، ولكن الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قال إنّ تركيا تنظر "بحذر" إلى هذا التطور، معتبراً أنّ الخطوة الأميركية "جاءت متأخرة، ولكنها ليست خالية من الفوائد". وتعتبر أنقرة الوحدات الكردية نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، ولطالما انتقدت ازدواجية السياسة الأميركية التي تعتبر هذا الحزب منظمة إرهابية وتدعم في الوقت نفسه الوحدات الكردية، وساعدتها في السيطرة على الربع المفيد من سورية.
إلى ذلك، رأى المحلّل السياسي المختصّ بالشأن الأميركي، شعبان عبود، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الأهداف الجديدة للولايات المتحدة في سورية "تعطي إشارات واضحة عن آلية التعاطي الجديدة أو الاستراتيجية الجديدة لواشنطن في سورية"، مضيفاً أنّه "بعد أن كان الهدف المعلن الانتصار الكامل والنهائي على تنظيم داعش، شرّعت الأهداف الجديدة وجوداً طويلاً للقوات الأميركية في شمال شرق سورية أولاً، وعلى مستوى سورية كلها ثانياً".
وتابع عبود بالقول "بالنسبة لشمال شرق سورية، فإنّ الهدف أكبر من الانتصار على داعش، وهو يتعلّق بمنع إيران من تحقيق حلمها بإنشاء ممر أو كريدور شيعي يبدأ من طهران وينتهي في الضاحية الجنوبية في بيروت"، مضيفاً "يبدو واضحاً أنّ الولايات المتحدة مصرّة على الاستمرار في التصدي للحضور الإيراني في سورية ومنعها من تحقيق وجود عسكري أو التأثير بنتائج الحرب وتحويل ذلك إلى انتصار سياسي".
وأشار عبود إلى أنّ واشنطن "تعمل منذ أكثر من سنتين لقطع هذا المعبر ومنع إيران من تحقيق هدفها، وهذا يعني وجوداً أميركياً طويل الأمد، لأنّ إيران عبر مليشياتها، وبناءً على نظرتها إلى سورية كمنطقة تقع ضمن مصالحها واستثمرت فيها مالياً ودينياً وعسكرياً بشكل ضخم ومكثّف، سوف لن ترضخ لهذا الوجود الأميركي، وستعمل على خلق آليات التفاف جديدة على الهدف أو الحضور الأميركي".
وبالنسبة للهدف الأميركي المتعلّق بـ"التأثير في مجريات الحرب في سورية" بحسب ما ورد في تقرير وزارة الدفاع، لفت عبود إلى أنّ "الولايات المتحدة أرادت أن تبعث رسالة مفادها بأنها لن تسمح بانتصار عسكري كامل ونهائي للروس وقوات النظام السوري وإيران في سورية بعد أن حقّق هؤلاء تقدماً ميدانياً كبيراً في الآونة الأخيرة. وبالتالي لن تسمح واشنطن بتحقيق انتصار سياسي كامل أو فرض حلّ سياسي بدونها أو بدون الأخذ بعين الاعتبار موقف ومصالح أميركا، أو لنقل لا يمكن الوصول لحل سياسي دائم بدون الرجوع لواشنطن".