قد تواجه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي امتحاناً صعباً، غداً الثلاثاء، في حال تمّ التصويت على اتفاق "بريكست" الذي أبرمته مع الاتحاد الأوروبي، في تمام الساعة السابعة مساءً بتوقيت لندن. وعلى الرغم من أن التصويت مجدول للساعة السابعة من مساء الغد، يبدو أن معارضة أكثر من 100 نائب عن حزب المحافظين، من مؤيدي "بريكست" ومعارضيه، للاتفاق، قد تدفعها للتأجيل، لأن هزيمة كهذه، والتي ستكون إحدى أكبر الهزائم البرلمانية التي تصيب رئيس وزراء بريطاني في العقود الأخيرة - حيث سيقتصر دعمها على نحو 200 نائب فقط - قد تؤدي إلى انهيار حكومتها.
ويضمّ مجلس العموم البريطاني 650 مقعداً، يمتلك حزب المحافظين منها 315، وهو ما يجعله أكبر الأحزاب البريطانية الممثلة في البرلمان، ولكنه يفتقد للأغلبية (أكثر من 325 صوتاً). وبعد الانتخابات العامة عام 2017، أبرمت ماي اتفاقاً مع حزب الاتحاد الديمقراطي الأيرلندي، والذي يمتلك 10 أصوات في ويستمنستر، بحيث يدعم ماي في التصويت البرلماني مقابل المزيد من الأموال لصالح أيرلندا الشمالية. ورغم أن ذلك يجعل الحكومة مدعومة بـ325 صوتاً، وهي تماماً نسبة 50 في المئة، فإنها لا تمتلك الأغلبية، لأن حزب الشين الفين الأيرلندي، والذي يملك سبعة مقاعد في البرلمان البريطاني، يرفض القسم بالولاء لملكة بريطانيا ولا يشارك في مناقشاته أو التصويت فيه.
إلا أن كتلة حزب المحافظين ليست متجانسة في ما يتعلق باتفاق "بريكست"، وذلك بالرغم من أن الحزب معروفٌ بانضباط نوابه بشكل عام وراء قرارات قيادته. ولكن حدة الانقسام في صفوف المحافظين حول "بريكست"، أدت إلى انقسامه إلى أطياف، بين مؤيدي "بريكست" مشدد، ومؤيدي اتفاق ماي، ومعارضي "بريكست" ممن يدعمون أخفّ أنواعه.
ويأتي دعم خطة ماي بشكل حصري تقريباً من الكتلة الرئيسية في حزب المحافظين، والتي تتبع لقيادة الحزب بانضباط تام، خاصة أن العديد منهم من ذوي المناصب الحكومية أيضاً، ويجب عليهم الالتزام بالخط الحكومي الذي تحدده رئيسة الوزراء. ويبلغ عدد هؤلاء أكثر قليلاً من 200 شخص، ويشملون 50 نائباً ممن سيدعمون الصفقة حتماً، إضافة إلى 150 ممن يميلون لدعمها، ويشملون نواب حزب المحافظين الاسكتلندي. وكانت اسكتلندا قد صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي عام 2016، ويضع ذلك كتلة المحافظين الاسكتلندية في موقف يتطلب أكثر توازناً من بقية الحزب.
أما مؤيدو "بريكست" مشدد في حزب ماي فيتجاوز عددهم 90 نائباً في مجلس العموم، جلهم من مجموعة الأبحاث الأوروبية، والتي يرأسها جاكوب ريس موغ، وتشمل أيضاً بوريس جونسون وديفيد ديفيس وغيرهما. وتعهد هؤلاء بالتصويت ضد صفقة ماي، لأنهم يرونها لا تحقق "بريكست". ويكمن اعتراضهم الرئيسي عليها في خطة المساندة، والتي تبقي كامل بريطانيا في الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، من دون إمكانية انسحاب بريطانيا من هذا الترتيب من جانب واحد. وترى هذه الكتلة في ذلك عدم قدرة بريطانيا على إبرام اتفاقيات تجارية خاصة بها مع أطراف ثالثة، لالتزامها بمعايير الاتحاد الأوروبي.
ويضاف إلى أولئك كتلة من المحافظين المؤيدين للاتحاد الأوروبي، وتشمل نحو عشرة نواب، مثل دومينيك غريف وآنا سوبري، ويتجه هؤلاء إلى التصويت ضد صفقة ماي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى سيناريو يكون فيه القرار للبرلمان، والذي يمتلك أغلبية مؤيدة لـ"بريكست" مخفف. وكان غريف قد قاد تعديلاً قانونياً الأسبوع الماضي، يسمح للبرلمان بالمشاركة في الخطوات التالية في حال رفض اتفاق ماي. ويأمل هؤلاء في أن يتجه البرلمان لإقرار صفقة معدلة عن النموذج النرويجي مع الاتحاد الأوروبي، تبقى بريطانيا بموجبها في عضوية الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، أو التوجه نحو استفتاء ثان على "بريكست".
أما حزب العمال، فيمتلك 257 صوتاً في مجلس العموم، ويعد أكبر أحزاب المعارضة. وتتجه أغلبية الحزب إلى التصويت ضد صفقة ماي. ولا تعد كتلة العمال متجانسة أيضاً في موقفها من "بريكست"، فمنهم من يلتزمون بخط زعيم الحزب جيريمي كوربن، ومنهم من يؤيدون الاتحاد الأوروبي، ومنهم أيضاً من صوتت دوائرهم لصالح مغادرة الاتحاد، إلا أن هذه المجموعات المختلفة تجمع على أن خطة ماي سيئة لبريطانيا، وهم يتجهون للتصويت ضدها.
وفي هذا الإطار، يرفض مؤيدو الاتحاد الأوروبي في "العمال" الاتفاق، ويفضلون كنظرائهم في حزب المحافظين، التوجه نحو استفتاء ثانٍ، أو إلغاء "بريكست"، أو أخف أنواعه، كما هو حال النموذج النرويجي المعدل. بينما تسعى قيادة العمال إلى التوجه لانتخابات عامة تصل بها إلى رئاسة الوزراء، وهو أحد السيناريوهات المتاحة في حال رفض الاتفاق. إلا أن كتلة من نحو 20 نائبا عماليا من المتمردين على قيادة الحزب، وتشمل مؤيدي "بريكست" مشدد، والقادمين من مناطق صوتت بأغلبية لصالح "بريكست"، قد يدعمون خطة ماي، وإن كان احتمالاً ضئيلاً جداً.
أما الأحزاب الأخرى في البرلمان، وتشمل القوميين الاسكتلنديين (35 صوتاً)، والديمقراطيين الأحرار (11 صوتاً)، وحزب ويلز (4 أصوات)، والخضر (صوت واحد)، فتعارض صفقة ماي، وتدعم علناً إلغاء "بريكست" والبقاء في الاتحاد الأوروبي. أما الحزب الاتحادي الديمقراطي (10 أصوات)، فيعارض الاتفاق لأنه سيؤدي، بحسب رأيه، إلى وجود حدود بين أيرلندا الشمالية والجمهورية الأيرلندية، وهو ما ستكون له تبعات سلبية على اقتصاد واستقرار الجزيرة. كما يوجد تسعة نواب مستقلون في مجلس العموم، يتوقع أن يصوت معظمهم ضد الاتفاق أيضاً.