يبقى الاستعصاء سمة الأزمة الليبية في ظل التناقضات المحلية والقبلية والمناطقية والخارجية التي تتنازع الملف الليبي بين محاور خارجية أبرزها معسكر القاهرة ــ أبو ظبي ــ باريس ووكلائه المحليين الممثلين رمزياً باللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه في الشرق، في مقابل انقسامات وضعف معسكر الغرب الليبي وحكومته المدعومة من "المجتمع الدولي" والأمم المتحدة. وقد فشلت كل محاولات تأمين إجماع الليبيين على إجراء انتخابات تأسيسية ووضع دستور تأسيسي بدوره، من مؤتمرات الصخيرات والقاهرة وأبو ظبي وباريس وباليرمو، ليعود الحديث عن ضرورة عقد "الملتقى الوطني الجامع لليبيا" الذي يفترض أن يكون مرحلة تمهيدية لإجراء انتخابات عامة تنبثق عنها سلطة شرعية تعترف بها جميع الأطراف والمناطق والقبائل.
واستأنف المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، الكلام عن الملتقى الوطني خلال إحاطة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما أكد على ضرورة إحياء الفكرة، على الرغم من تأخرها بسبب استمرار القتال والانقسامات بين القادة الليبيين. وأكد سلامة خلال إحاطته، أن "تقرير مركز الحوار الإنساني المكلف بالإعداد للمؤتمر كشف أن 80 في المائة من الليبيين يريدون الانتخابات، وإن الإعداد للملتقى تم في 77 مدينة ومنطقة ليبية"، مشيراً إلى أن "المؤتمر، الذي حدد له مطلع العام المقبل موعداً لعقده، سيكون قادراً على تمثيل الليبيين ورسم المستقبل السياسي لليبيا من خلال التجهيز لمرحلة الانتخابات"، التي توقع أن تكون في سبتمبر/أيلول المقبل. كما أكد سلامة أن "الدعوة لعقد المؤتمر تأتي بعد اتفاق الأطراف الليبية المشاركة في مؤتمر باليرمو على ضرورة عقد المؤتمر كمرحلة للإعداد للانتخابات".
وعلى الرغم من قرب موعد انطلاقته المعلن عنه، إلا أن البعثة لم تفصح حتى الآن عن بنود ومضمون اللقاء ولا عن قائمة المشاركين فيه، باستثناء لقاء أعلنت عنه نهاية الأسبوع الماضي جمع نائبة رئيس البعثة، ستيفاني وليامز، بعدد من الشخصيات الوطنية وقادة المجتمع المدني في إطار التحضير للمؤتمر.
لكن تصريحات سابقة متواترة أبرزت أن المؤتمر سيشمل مشاركة ممثلين عن النظام السابق وفصائل الثوار والأحزاب والقوى السياسية والأقليات الاجتماعية وزعماء القبائل، بالإضافة إلى تمثيل لحكومتي مجلس النواب والوفاق ومجلسي الدولة والنواب.
كما أن إعلاناً سابقاً للمجلس الأعلى للدولة، في منشور أعقب لقاء رئيس المجلس خالد المشري بسلامة في طرابلس منتصف الشهر الماضي لمناقشة الإعداد للمؤتمر، أشار إلى أن "المشاركين في المؤتمر سيناقشون مشروع الدستور والترتيبات الأمنية والتوزيع العادل للثروة".
وأمام هذا الغموض أبدت الصحافية الليبية نجاح الترهوني مخاوفها، فــ"الخلافات العميقة، وأبرزها مؤتمر باليرمو، تصعّب من مهمة المؤتمر وتحد من فرص التقارب والتفاهم، لا سيما أن البعثة أقرّت بأن المشاركين في المؤتمر هم الفاعلون في مشهد الأزمة. ولعل أبرز ما كشف عن المؤتمر تعنت حفتر، الذي لا يرى حلولاً سياسية ولا توافقية في البلاد بديلاً عن الحل العسكري".
وأضافت في حديث لــ"العربي الجديد" أن "الفشل سمة كل المبادرات والملتقيات وكلها لم تنجح في فتح طريق لأي تسوية بل لم تنجح حتي في اقناع ممثلي الأطراف بمصافحة بعضهم البعض"، مشيرة إلى "ظهور أولى عراقيل المؤتمر عبر رغبة الأطراف المحلية المتنفذة حالياً في إفشاله من خلال العودة للبند الأول، المتعلق بتعديل الاتفاق السياسي. وهو ما يمثله التقارب والتوافق الحالي بين مجلسي الدولة والنواب".
أما الخبير القانوني، علي الزدام، فتوقع أن "يناقش المؤتمر جملة من القضايا التي تعد من صميم عمل هيئة صياغة الدستور، ما سيؤثر على مشروع الدستور بل وجوده من الأساس"، مبدياً اعتقاده في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذا السبب هو ما حدا باللواء حفتر لدعم عقد المؤتمر، لأنه يتيح فرصة لتجاوز الدستور الذي يتخوف حفتر من الاستفتاء عليه واقراره".
وأوضح الزدام أن "مسائل توحيد المؤسسة العسكرية والتوافق حول العلم والنشيد والجنسية كلها مسائل فصل فيها مشروع الدستور وناقشها، والتوصل لحلول حولها في المؤتمر الجامع يعني ضرورة اعادة صياغة مشروع الدستور مجدداً، وكل هذا يعني تمديد الفترات الانتقالية بإجراء الانتخابات وفق قانون انتخابي مؤقت".
كما رأى أن "البعثة ومن خلالها المجتمع الدولي لا يزالان يقعان في ذات الخطأ وربما يكون المؤتمر المرتقب تكرارا للصخيرات"، مضيفاً أنه "يجب أن يتوقف قادة المجتمع الدولي عن القول بأن حل الأزمة محلي وبيد الليبيين فهم شركاء في الأزمة وبالتالي يتوجب دمج مساري المحلي والدولي والعمل بهم معاً". وأكد أن "التدخلات الدولية في الملف الليبي بات أمرها جلياً، وكثيراً ما اشتكت منها أطراف محلية". وطالب الزدام البعثة الأممية يأن "تتوقع فشل المؤتمر كما تتوقع نجاحه وأن تستعد لخطة بديلة في حال فشله". وقال "ليس من المقبول أن تقفز على كل ما مضى من خطوات وترجع الأزمة إلى مربعها الأول بزيادة عدد الأطراف، من دون أن يكون هناك بديل".