لم تعد أحزاب السلطة في الجزائر تجد حرجاً في الدعوة إلى تأجيل محتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في إبريل/ نيسان المقبل، بحجة فتح الباب أمام مشاورات سياسية وطنية للتوصل إلى توافق وإجماع سياسي، بخلاف مواقف سابقة للأحزاب نفسها كانت تزعم أن الجزائر بلد استقرار المؤسسات واحترام المواعيد الدستورية، وتصف دعوات قوى معارضة لتغيير المواعيد الانتخابية وتأجيلها حتى التفاهم على مخرجات ما بعد عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بـ"المناورة". واللافت أن دعوة وجّهها حزب موالٍ للرئيس الجزائري، لعقد ندوة وفاق وطني بهدف مناقشة الوضع السياسي كمقدمة للنظر في إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية، تزامنت مع دعوة مماثلة وجّهها حزب سياسي معارض، لتأجيل الانتخابات حتى يتوفر المزيد من التوافق الوطني. وتجد السلطة نفسها أمام وقت ضيق لحسم خياراتها السياسية وطرح مخرج لمأزق الانتخابات الرئاسية، فيما يبدو بفعل مجموع المعطيات الراهنة أن بوتفليقة يبحث عن تمديد أكثر من الترشح لولاية خامسة، ويسعى إلى إنهاء حكمه بتحقيق وفاق وإجماع سياسي بالقدر الذي حققه عند ترشحه أول مرة عام 1999.
وأطلق حزب "تجمع أمل الجزائر"، العضو في الائتلاف الرئاسي المشكّل من أربعة أحزاب حاكمة، دعوة تبدو معدّة من قبل الرئاسة نفسها، لعقد ندوة وفاق وطني يشرف عليها بوتفليقة قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، تحت مسمى "الإجماع الوطني لبناء جزائر جديدة". واقترح رئيس الحزب عمار غول، وهو وزير سابق ومنشق عن حزب إخوان الجزائر "حركة مجتمع السلم"، في مؤتمر صحافي، "عقد ندوة وطنية جامعة ومفتوحة تشارك فيها كل الطبقة السياسية والمجتمع المدني والنقابات والشخصيات والخبراء، تنظمها الدولة تحت الرعاية السامية والإشراف المباشر لرئيس الجمهورية"، مشيراً إلى أن هذه الندوة ستكون فضاءً سياسياً لإنهاء صراعات تهدد الدولة، معتبراً أن "البعض، نتيجة فراغ أو إقصاء، شكّل فضاءات لتعكير صفو الجزائر، البعض من أجل مصلحة عصب يريد تفجير البلد، والآن قلنا كفى، نريد أن يخرج الجميع من الدوائر الضيقة، ويحضر الندوة الوطنية ويطرح أفكاره".
ولمّح غول إلى أنه أجرى مشاورات مع الرئاسة قبل إطلاق مبادرة كهذه، إذ قال "نحن لا ننطلق من فراغ، وهذه الندوة أكثر أهمية من الرئاسيات المقبلة، لأن الرئاسيات محطة ثانوية مقارنة بالمبادرة، وأفضل أن تكون قبل الرئاسيات، في علاقة بالصعوبات والتطورات الشائكة، سعياً لطي صفحة العداوات والتراشق، وتحقيقاً للحصانة من التهديدات الداخلية والخارجية".
وبرأي رئيس حزب "تجمع أمل الجزائر"، أحد أبرز الأذرع السياسية للسلطة، فإنه "لا مشكلة في تأجيل الرئاسيات". لكن اللافت أن موقفاً كهذا، سواء في مطلب تأجيل الانتخابات أو البحث عن شكل من أشكال التوافق، يتطابق تماماً مع موقف أعلنه رئيس "حركة مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، قبل يومين، والذي دعا في تعليق سياسي "الحكام والسياسيين والعقلاء إلى كلمة سواء، تعقلوا ولا تغامروا بالجزائر، تعالوا إلى الحوار، تعالوا وإذا تطلب الأمر مزيداً من الوقت للوصول إلى حل وتحقيق التوافق، فلتؤجل الانتخابات الرئاسية لفترة نتفق فيها. لا تسيروا بنا في هذه الانتخابات إلى المجهول". جاء ذلك على خلفية ما اعتبره مقري "انغلاق الأفق نحو الانتخابات الرئاسية 2019، إذ لا يبدو أن ثمة ولاية خامسة كما أشرنا إلى ذلك في الصيف الماضي، ولا القوى الموالية قادرة على التوافق في ما بينها على مرشح واحد، ولا المعارضة باستطاعتها الدخول في المنافسة الانتخابية في ظل هذا الغموض وغياب الضمانات".
تدفع هذه التطورات بوضوح إلى الاعتقاد بأن هناك حالة إجماع بدأت تتشكل بأن الجزائر تواجه مأزقاً سياسياً، حول عدم قدرة بوتفليقة على الترشح لولاية رئاسية خامسة من جهة، والحاجة إلى مزيد من الوقت للتفاهم على الخيارات المتاحة لخلافته، ومن جهة أخرى الطرق والمخارج السياسية الممكنة لتنفيذ تمديد لبوتفليقة، سواء عبر عقد ندوة وفاق وطني أو عبر التوصل إلى إجماع سياسي، خصوصاً أن عدداً من أحزاب المعارضة نفسها لا تعارض هذا الخيار، مثل "مجتمع السلم"، وهي ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد على الصعيد التنظيمي.
اقــرأ أيضاً
وتعيد الدعوات لعقد ندوة وفاق وطني إلى الأذهان الظروف نفسها التي عُقدت فيها ندوة الوفاق الوطني التي نظّمتها السلطة في ديسمبر/ كانون الأول 1994، وشاركت فيها الأحزاب والمنظمات والنقابات للخروج من مأزق الانقلاب الذي نفذه الجيش في يناير/ كانون الثاني 1994، والبحث عن توافق وطني وتزكية شخصية لرئاسة الدولة، كان حينها الجنرال ليامين زروال، حتى إجراء انتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الأول 1995.
ويعتقد كثير من المراقبين والفاعلين في الشأن السياسي في الجزائر أن الدعوات الجديدة لعقد ندوة وفاق وطني يمر عبرها تأجيل الانتخابات الرئاسية، بقدر ما تعبّر عن إقرار السلطة وأحزابها بوجود أزمة سياسية ومأزق مؤسسات وفراغ دستوري انتهت إليه سياسات بوتفليقة خلال 20 عاماً من الحكم، فإنها تندرج ضمن "بالونات اختبار للنوايا"، كما قال الكاتب ورئيس حزب "الوطنيين الأحرار"، عبد العزيز غرمول، لـ"العربي الجديد". وأوضح غرمول أن "تأجيل الانتخابات سيضع الجزائر في مأزق دستوري آخر، بعد مأزق البرلمان، وسنمهّد بذلك طريق استمرار هذا الوضع غير الطبيعي، الذي سيمنح النظام فرصة أخرى لتسوية خلافات تكتلاته المتصارعة، وإعادة هيكلة قوى السيطرة والتحكّم في الوضع"، متسائلاً "ماذا تقدّم لنا ندوة أخرى سوى التنفيس عن ضيق النظام المتحلل، ومشاركته في الورطة التي أوصلت الجزائر إلى هذا المآل المؤسف؟".
واستبعد غرمول أن تكون السلطة في الجزائر لديها نوايا توافقية، مضيفاً "هل يريد النظام فعلاً مساراً توافقياً؟ ما الذي يفرض عليه هذا التنازل وهو متحكّم أمنياً في الوضع؟"، متابعاً "في اعتقادي يجب أن نترك السلطة تذهب إلى الانتخابات وحدها، وتزوّرها لصالح من تشاء، فالنظام هو من أعد العدة وأعاد دمج خدمه المهمشين، ويستعد للاستمرارية في الإفلاس على الرغم من أنف الجزائريين، ونعتقد أنه لن يذهب بخططه الجهنمية إلى البعيد وسينتهي بأكل نفسه".
اقــرأ أيضاً
ولمّح غول إلى أنه أجرى مشاورات مع الرئاسة قبل إطلاق مبادرة كهذه، إذ قال "نحن لا ننطلق من فراغ، وهذه الندوة أكثر أهمية من الرئاسيات المقبلة، لأن الرئاسيات محطة ثانوية مقارنة بالمبادرة، وأفضل أن تكون قبل الرئاسيات، في علاقة بالصعوبات والتطورات الشائكة، سعياً لطي صفحة العداوات والتراشق، وتحقيقاً للحصانة من التهديدات الداخلية والخارجية".
وبرأي رئيس حزب "تجمع أمل الجزائر"، أحد أبرز الأذرع السياسية للسلطة، فإنه "لا مشكلة في تأجيل الرئاسيات". لكن اللافت أن موقفاً كهذا، سواء في مطلب تأجيل الانتخابات أو البحث عن شكل من أشكال التوافق، يتطابق تماماً مع موقف أعلنه رئيس "حركة مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، قبل يومين، والذي دعا في تعليق سياسي "الحكام والسياسيين والعقلاء إلى كلمة سواء، تعقلوا ولا تغامروا بالجزائر، تعالوا إلى الحوار، تعالوا وإذا تطلب الأمر مزيداً من الوقت للوصول إلى حل وتحقيق التوافق، فلتؤجل الانتخابات الرئاسية لفترة نتفق فيها. لا تسيروا بنا في هذه الانتخابات إلى المجهول". جاء ذلك على خلفية ما اعتبره مقري "انغلاق الأفق نحو الانتخابات الرئاسية 2019، إذ لا يبدو أن ثمة ولاية خامسة كما أشرنا إلى ذلك في الصيف الماضي، ولا القوى الموالية قادرة على التوافق في ما بينها على مرشح واحد، ولا المعارضة باستطاعتها الدخول في المنافسة الانتخابية في ظل هذا الغموض وغياب الضمانات".
تدفع هذه التطورات بوضوح إلى الاعتقاد بأن هناك حالة إجماع بدأت تتشكل بأن الجزائر تواجه مأزقاً سياسياً، حول عدم قدرة بوتفليقة على الترشح لولاية رئاسية خامسة من جهة، والحاجة إلى مزيد من الوقت للتفاهم على الخيارات المتاحة لخلافته، ومن جهة أخرى الطرق والمخارج السياسية الممكنة لتنفيذ تمديد لبوتفليقة، سواء عبر عقد ندوة وفاق وطني أو عبر التوصل إلى إجماع سياسي، خصوصاً أن عدداً من أحزاب المعارضة نفسها لا تعارض هذا الخيار، مثل "مجتمع السلم"، وهي ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد على الصعيد التنظيمي.
وتعيد الدعوات لعقد ندوة وفاق وطني إلى الأذهان الظروف نفسها التي عُقدت فيها ندوة الوفاق الوطني التي نظّمتها السلطة في ديسمبر/ كانون الأول 1994، وشاركت فيها الأحزاب والمنظمات والنقابات للخروج من مأزق الانقلاب الذي نفذه الجيش في يناير/ كانون الثاني 1994، والبحث عن توافق وطني وتزكية شخصية لرئاسة الدولة، كان حينها الجنرال ليامين زروال، حتى إجراء انتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الأول 1995.
واستبعد غرمول أن تكون السلطة في الجزائر لديها نوايا توافقية، مضيفاً "هل يريد النظام فعلاً مساراً توافقياً؟ ما الذي يفرض عليه هذا التنازل وهو متحكّم أمنياً في الوضع؟"، متابعاً "في اعتقادي يجب أن نترك السلطة تذهب إلى الانتخابات وحدها، وتزوّرها لصالح من تشاء، فالنظام هو من أعد العدة وأعاد دمج خدمه المهمشين، ويستعد للاستمرارية في الإفلاس على الرغم من أنف الجزائريين، ونعتقد أنه لن يذهب بخططه الجهنمية إلى البعيد وسينتهي بأكل نفسه".