يسود الغضب الأوساط الدبلوماسية والسياحية المصرية بسبب التأجيل الرسمي الروسي المتكرر لاستئناف رحلات الطيران إلى مصر. فبعدما كان من المفترض أن تعود الرحلات الجوية بين موسكو والقاهرة، مطلع فبراير/شباط الحالي، وفقاً لبروتوكول التعاون الموقع بين البلدين، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن وزير النقل الروسي، مكسيم سوكولوف تأجيل استئناف الرحلات إلى النصف الثاني من فبراير الحالي، ثم حدد موعداً جديداً هو غداً الثلاثاء، وهو ما يبدو غير واقعي بسبب عدم فتح الباب أمام الحجوزات، سواء في القاهرة أو موسكو حتى الآن.
وتزايد الغضب المصري بعد تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي، أركادي دفوركوفيتش، عن استحالة عودة الرحلات الجوية الروسية إلى المنتجعات السياحية في سيناء وساحل البحر الأحمر في الوقت الحالي. وأكد دفوركوفيتش، على هامش منتدى اقتصادي عقد في منتجع سوشي الروسي أول من أمس، أنه أبلغ ذلك للسلطات المصرية رسمياً، علماً بأن وزارة الطيران المصرية كانت قد أعلنت أنها توافقت مع سلطات النقل الجوي الروسية على استئناف الرحلات إلى المنتجعات السياحية في إبريل/نيسان المقبل، بداية من شرم الشيخ والغردقة.
وقال مصدر دبلوماسي في ديوان وزارة الخارجية المصرية، لـ"العربي الجديد"، إن وزير الخارجية، سامح شكري، كلف أحد مساعديه بالسفر إلى موسكو خلال الأسبوع المقبل، لاستطلاع الأسباب الحقيقية وراء التأجيل الروسي المتكرر لعودة الطيران وكذلك عودة السياحة، مشيراً إلى أن عودة الطيران بين القاهرة وموسكو فقط لن يكون مرضياً لقطاعي السياحة في البلدين، لأن السائح الروسي كان معتاداً على الانتقال من بلاده إلى المنتجعات السياحية بشكل مباشر، وليس إلى القاهرة، ثم الانتقال براً أو جواً من الداخل. وأضاف المصدر أنه على الرغم من توقيع بروتوكول استئناف الرحلات بالفعل، إلاّ أن الجانب الروسي طلب توقيع مسؤول مصري رفيع المستوى على بعض الوثائق السرية المتعلقة بتفعيل البروتوكول، وهو ما أبلغه السفير المصري في موسكو، إيهاب نصر، إلى شكري، مشيراً إلى أن الوثائق الجديدة تتضمن تعهدات وشروط غير معروفة حتى الآن، كما تتضمن جدولاً محدداً بأعداد الرحلات أسبوعياً وزيادتها باطراد، وضوابط توسعها لتشمل جميع المطارات.
من جانبه، قال مصدر في وزارة الطيران المدني إن روسيا تماطل باستئناف الرحلات الجوية كنوع من الضغط على مصر لقبول شروط كانت رفضتها من قبل، على رأسها أن يكون لروسيا مراقبون أمنيون وملاحيون دائمون في المطارات المصرية الأكثر استخداماً بالنسبة للسياحة الروسية، وهي القاهرة وشرم الشيخ والغردقة، لا يختصون بالتفتيش على الإجراءات الأمنية الخاصة بالرحلات الروسية فحسب، بل تمتد سلطاتهم للرقابة على الإجراءات الأمنية الخاصة بباقي الرحلات. وأضاف المصدر أن مصر كانت قد اعترضت أيضاً على رغبة روسيا بإرسال وفود تفتيش أمني بصورة ربع سنوية للتأكد من سلامة الإجراءات المصرية، الأمر الذي ترى القاهرة أنه فرض للوصاية الروسية عليها بصورة مبالغ فيها، خصوصاً أنه لم يسبق أن امتنعت القاهرة عن استقبال وفود التفتيش الروسية للمطارات.
فضلاً عن ذلك، يبدو أن روسيا ترغب في مزيد من الضمانات للتعاون المعلوماتي بين سلطتي الملاحة الجوية في البلدين حول واقعة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، إذ ما زالت موسكو تطالب القاهرة بالاعتراف بالتقصير الأمني وتقديم مسؤولين مباشرين عن هذا التقصير، وما زال لديها شكوك بتورط مسؤول مصري واحد على الأقل في تسهيل عملية زراعة العبوة الناسفة على متن الطائرة الروسية. وفي كلا الحالتين، سواء كانت المسؤولية تقصيرية أو جنائية، فتأكيد ذلك بتحقيقات قضائية مشتركة سيرتب على مصر دفع تعويضات ضخمة للضحايا الروس. وأشار المصدر إلى أن الإرجاء الروسي المتكرر لعودة الرحلات يؤدي إلى تزايد الارتباك لدى الشركات السياحية المصرية والروسية، والتي يتشارك بعضها في رأس المال وبعض الفنادق والمنتجعات وشركات الطيران الخاصة. وأدى الإرجاء إلى عدم استقرار الأسعار في ذروة موسم السياحة الشتوية، بعدما كانت بعض الشركات قد بدأت إعادة فتح فنادقها بالفعل، بالإضافة إلى غموض مصير الحجوزات التي تعاقدت عليها الشركات المصرية لتسفير عملائها إلى روسيا لحضور مباريات كأس العالم لكرة القدم المقررة في يونيو/حزيران المقبل، وذلك لارتباط أسعارها بحجوزات مقابلة تعاقدت عليها الشركات الروسية لتسفير عملائها للمنتجعات المصرية بعد توقيع البروتوكول المعطل تنفيذه.
وأشار المصدر إلى أن ما يعزز هذا الارتباك صدور تصريحات متناقضة من المسؤولين الروس إعلامياً وفي الغرف المغلقة أيضاً، إذ تحدث بعضهم عن استئناف الرحلات بعد انتخابات الرئاسة المصرية المقررة نهاية مارس/آذار المقبل، رغم عدم النص على ذلك في البروتوكول أو مناقشته خلال الزيارات المتبادلة. وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وصف، في زيارته الأخيرة إلى القاهرة، ما بذلته الحكومة المصرية، من جهود في ملف تطوير تأمين المطارات بـ"الضخمة والبارزة"، لكنه اكتفى بإضافة سادس تعهد على لسانه "بأن تعود السياحة في القريب العاجل"، وهي عبارة أصبحت تؤخذ على محمل السخرية، إلى حد تلافي الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التطرق إلى هذا الملف في بيانه الرسمي الذي ألقاه خلال المؤتمر الصحافي الإثنين الماضي، والذي ركز فيه على التعاون في مشروع المحطة النووية وزيادة التبادل التجاري والتنسيق السياسي في الملفات الإقليمية، كسورية وليبيا. وتؤمن حكومة السيسي بأن تعطيل عودة السياحة الروسية تؤثر بصورة مباشرة على انتعاش السوق السياحية، وتؤثر بصورة غير مباشرة على التفضيلات السياحية للشعوب القريبة من روسيا ودول الاتحاد السوفييتي سابقاً، وهي فئات كانت قد بدأت بالتدفق على مصر بين عامي 2009 و2013 نتيجة انخفاض أسعار المنتجعات المصرية والانتعاش الاقتصادي لبعض تلك الدول، علماً بأن السياحة الروسية كانت تمثل في عام 2015 أكثر من 50 في المائة من إجمالي حركة السياحة الأجنبية.