من ورش إلى قاعدة عسكرية
وأشار المصدر، في حديث لــ"العربي الجديد"، إلى أن ورش صيانة قطع الأسلحة الليبية ذات المنشأ الروسي أُنشئت داخل القاعدة منذ أكثر من سنتين، ويتواجد بها خبراء روس، وأن "قيادة حفتر تتخذ من وجود هذه الورش وسيلة للتغطية على المسعى الأكبر لإنشاء القاعدة".
ويأتي كلام مصدر "العربي الجديد" بعد تصريحات لرئيس مجموعة الاتصال الروسية المعنية بليبيا، ليف دينغوف، أول من أمس لصحيفة مصرية، بشأن وجود طلب من قبل حفتر للجانب الروسي لإنشاء قاعدة بطبرق، وأن "الطلب لا يزال قيد الدراسة".
وعلى الرغم من ذلك، نفى المتحدث باسم قوات حفتر، العقيد أحمد المسماري، هذه الأنباء، غير أن مراقبين اعتبروا تصريحه لا قيمة له.
وكان المصدر نفسه قد كشف، لـ"العربي الجديد"، منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن "وجود مشاورات انطلقت منذ أشهر عدة بين قيادات بارزة في معسكر حفتر ومسؤولين روس، بشأن إقامة قاعدة عسكرية روسية، على الأراضي الليبية"، مؤكداً، في حينه، أن تلك المشاورات وصلت إلى "مراحل متقدمة، بالتوازي مع بحث روسيا لموطئ قدم في حوض البحر المتوسط، إثر قرارها بسحب قواتها من سورية أثناء زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لقاعدة حميميم في سورية".
هواجس "الوفاق" ودول الجوار
ولفت المصدر إلى أن "موسكو تحاول حصد مكاسب في ليبيا، من خلال توثيق واستمرار علاقتها بطرفي النزاع في ليبيا، أي حفتر في الشرق وحكومة الوفاق في طرابلس"، غير أنه أوضح أن "الموافقة الروسية على بناء القاعدة قد يصطدم بمواقف حكومة الوفاق بطرابلس ودول إقليمية فاعلة في ليييا، وتحديداً الجزائر، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة بروسيا، وترفض دعم أي حل عسكري في البلاد".
وأضاف أن "الجانب الروسي حاول العديد من المرات طمأنة سلطات طرابلس والجزائر بأن تواجده العسكري في شرق البلاد يأتي لدعم جهود الحرب على الإرهاب، وتحديداً منع "داعش" من إعادة تنظيم صفوفه، دون التدخل في الصراع الدائر في ليبيا بين طرابلس وطبرق"، مشدداً إلى أن "دينغوف يشير إلى هذه المعارضة عندما قال إن طلب حفتر قيد الدراسة".
وتعليقاً على معلومات المصدر، قال محيي الدين زكري، الخبير الأمني الليبي، إن "المساعي الروسية العسكرية في ليبيا مؤكدة منذ فترة طويلة، وطموح حفتر في الحصول على الدعم العسكري الروسي غير خاف".
وأضاف زكري، في حديث لــ"العربي الجديد"، أن "التواجد الروسي العسكري مؤكد فعلياً داخل صفوف حفتر بشكل غير مباشر، أما عن القاعدة فالأمر ظل مبهماً وغامضاً الى أن صرح رئيس لجنة شؤون الدفاع في مجلس الاتحاد الروسي منذ أشهر علناً بأن بلاده مهتمة بتطوير ميناء طبرق ليكون ميناء عميقاً، ليأتي قرار حفتر المفاجئ بعدها، بأقل من شهر، بإغلاق الميناء رسمياً أمام الملاحة".
وتابع: "عسكرياً الميناء كونه تجارياً لا يحتاج لعمق أكثر، وهو بهذه الحال يعمل منذ عشرات السنين، أما تطويره ليكون أعمق فهذا يعني تحويله لأغراض عسكرية"، متسائلاً: "لماذا تهتم روسيا بهذا الميناء تحديداً مع أن موانئ بنغازي وطرابلس أكثر فائدة من الناحية الاقتصادية".
وبيّن زكري أن "إنكار سعي روسيا لوجود عسكري في شرق البلاد لا معنى له، وإلا بماذا نفسر استقبال روسيا، بشكل رسمي، لحفتر مرات خلال العام الماضي، ومن قبل وزير الدفاع تحديداً، بل ورسو حاملة الطائرات "أدميرال كوزنيتسوف" مطلع العام الماضي في مكان لم يحدد شرق البلاد، ليعتليها حفتر رفقة ضباطه ويعقد اجتماعات وصفقات لم يعلن عن طبيعتها حتى الآن؟"، قبل أن يجيب: "لا شك أنها رغبة مشتركة بين الطرفين في عقد شراكة عسكرية".
الجنوب مسرحاً للمنافسة
وعن تأخر إعلان الوجود الروسي العسكري، أكد الخبير الأمني "وجود معارضة من حكومة الوفاق والجزائر"، قبل أن يوضح "أعتقد أن الأمر مرتبط بتوزيع مصالح الدول الكبرى في البلاد، وإلا أين صوت إيطاليا وبريطانيا القريبتين جداً من حكومة الوفاق؟ وأين أميركا خصم روسيا العالمي، والتي سبقتها للتواجد في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق لدعم عملية "البنيان المرصوص" عسكرياً في سرت؟".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "تأخر إعلان الوجود الروسي مرتبط بفهم شبكة مصالح هذه الدول، لكن ما دامت إيطاليا أعلنت، بشكل صريح، عن وجودها العسكري في مصراته، ومؤخراً عزمها زيادة عدد جنودها للتوجه إلى الجنوب الليبي، فهذا يعني اقتراب إعلان روسيا عن نفسها في ليبيا، وأعتقد أن تصريحات دينغوف تلويحٌ بذلك".
وعن أهمية "قاعدة جمال عبد الناصر" في طبرق بالنسبة للروس، قال "هي أنسب مكان، فهي قريبة جداً من الأراضي المصرية التي ستشكل ظهيراً حامياً لها، كما أنها تعتبر الأهم في شرق البلاد، وطبوغرافيا خطوطها متصلة بشكل أقصر بمواقع الجنوب العسكرية".
وتابع: "ما دامت أميركا فوضت لإيطاليا إدارة الملف الليبي بحسب ما أُعلن بعد زيارة وزير الداخلية الإيطالي، ماركو مينيتي، قبل أيام لواشنطن، والتي أرفقت بإعلان إيطاليا زيادة عدد جنودها في ليبيا، والاتجاه إلى الجنوب تحت ذريعة حماية الحدود للحد من موجات الهجرة، فهذا يشير إلى أن روسيا يجب أن تظهر إلى جانب فرنسا، التي تعتبر الجنوب الليبي حقاً تاريخياً لها".
واعتبر زكري أن تحول المنافسة إلى التواجد في الجنوب الليبي ليس جديداً، فــ"مندوب ليبيا السابق، إبراهيم الدباشي، قالها صراحة حين أكد أن أميركا أبلغت رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، خلال زيارته لواشنطن ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بأنها تريد قاعدة في الجنوب، بل إن معهد واتسون بجامعة براون الأميركية كشف عن وجود عسكري أميركي فعلي بالجنوب للتمهيد لبناء قاعدة، فضلاً عن الوجود الفرنسي الذي بات معلوماً، وهو ما مكَّن حفتر من الوصول إلى الجنوب".
وأوضح الخبير الأمني أن "الجنوب الليبي دخل دائرة التنافس على موارده المتنوعة البكر، كما هو الحال في الشمال، في ظل ارتهان الأطراف الليبية للخارج والاستقواء على بعضها بالأجنبي".