بعد أشهر من التأجيل والتأخير، توصلت الأحزاب الستة المشكلة للحكومة في المغرب، أمس الاثنين، إلى توقيع "ميثاق الأغلبية" الذي يعد مرجعا سياسيا وأخلاقيا بين الأحزاب المكونة للأغلبية، تعود إليه لحل الخلافات بين أعضائها، حرصا على الانسجام والتماسك الحكومي.
ويضع "ميثاق الأغلبية" الأولويات التي يتعين على الحكومة السير وفقها في عدد من الملفات الداخلية والخارجية، ووقع عليه كل من سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، وعزيز أخنوش زعيم "التجمع الوطني للأحرار"، ومحمد ساجد زعيم "الاتحاد الدستوري"، وإدريس لشكر الكاتب العام لـ"الاتحاد الاشتراكي"، ومحمد بنعبد الله زعيم "التقدم والاشتراكية"، ومحند العنصر قائد "الحركة الشعبية".
وأرجع العثماني خلال حديثه مع "العربي الجديد"، سبب التأخر في التوقيع على ميثاق الأغلبية، إلى أن الأمر لم يكن يتعلق بتأخر وإنما بتأجيل مستند إلى مسوغات وأسباب مشروعة تتعلق بأجندة زعماء الأحزاب الستة، مبرزا أن "التوقيع حصل، وهذا هو الأهم لعمل الحكومة في المستقبل المنظور".
وتابع العثماني بالقول إن "لا أحد يدعي أنه لا توجد هناك اختلافات، وليس خلافات، في الرأي والمواقف في عدد من الملفات والقضايا، وهذا أمر محبذ، لأنه ينم عن طبيعة الديمقراطية وحرية التعبير والرأي"، مبرزا أنه في النهاية تنصهر هذه الاختلافات في بوتقة القرار الحكومي الذي تتفق عليه جميع مكونات الحكومة بشكل منسجم وانسيابي.
ويتضمن ميثاق الأغلبية خمس دعائم رئيسية تعهدت الأحزاب الستة بالالتزام بها، تتجسد في التشاركية في العمل، والنجاعة في الإنجاز، والشفافية في التدبير، والتضامن في المسؤولية، والحوار مع الشركاء.
وتعاهدت الأطراف المكونة للحكومة على "دعم الخيار الديمقراطي، ومبادئ دولة الحق والقانون، وتعزيز قيم النزاهة والعمل على إصلاح الإدارة وترسيخ الحوكمة الجيدة، وتطوير النموذج الاقتصادي والنهوض بالتشغيل والتنمية المستدامة، بالإضافة إلى تعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي، والعمل على تعزيز الإشعاع الدولي للمغرب وخدمة قضاياه العادلة في العالم".
ويعلق أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش، إدريس لكريني، على الموضوع في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بالقول إنه "كان هناك اعتقاد بأن تأخر تشكيل الحكومة ومواكبة العثماني للمفاوضات التي رافقتها بصعوباتها وإشكالاتها، سينعكس بالإيجاب على أداء مكوناتها وانسجامها، غير أن محك التدبير أكّد أن الحكومة الحالية لم تتمكن بعد من تجاوز الإشكالات التي طبعت تجربة سابقتها".
ولفت لكريني إلى أن "التشظّي الذي عكسه انسحاب حزب الاستقلال في بداية الأمر من هذا التحالف، قبل أن يبرز تباين على مستوى تحمل المسؤولية بصدد عدد من السياسات الحكومية بين مدافع ومتنكر لها، هو ما شكل عائقاً دون تحقيق التناغم المفترض لبلورة أداء في مستوى التطلعات رغم وجود ميثاق أقرته أطرافه في مرحلة سابقة".
ويرى المحلل أن "الميثاق يأتي في وقت ظهرت فيه هشاشة البناء الحكومي في أعقاب التصريحات المثيرة الأخيرة لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعفى، والتي أثارت جدلا كبيرا في الأوساط السياسية، رغم حرص العثماني على تدبير الخلافات الحكومية بقدر من التروي والدبلوماسية، وتلافي إطلاق الخطابات والخرجات غير المحسوبة".
واسترسل لكريني بأن "الميثاق يتضمن مجموعة من المبادئ التي يفترض أن تحكم أداء الأغلبية الحكومية على مستوى نهج التشاركية والنجاعة والشفافية والتضامن والتواصل مع مختلف الشركاء، غير أن الأمر لا يشكل حائلا قويا وكافيا لمنع أي تصدع أو ارتباك في الأداء".
وزاد الخبير ذاته بأن "هذا التصدع قد يحصل وسط الفريق الحكومي ما لم تفلح الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي في تدبير خلافاتها ومشاكلها الداخلية بصورة سلسة وديمقراطية، وطالما لم تستطع بعضها أيضا تجاوز المبالغة في استحضار مصالح سياسية وحزبية ضيقة على حساب المصالح العامة، وما لم تتمكن كذلك من استيعاب تموقعها الحكومي، بعدم السقوط في مفارقة الدفاع عن الحصيلة تارة، والتشكي والتنصل من المسؤولية تارة أخرى".