وقد فعل الرئيس الفرنسي وحكومته المستحيل حتى لا تفقد أغلبيته البرلمانية هذين المقعدين البرلمانيين، واضطُرّ الأمر رئيس الحكومة، إدوار فيليب، وهو العضو السابق في "الجمهوريون" إلى مرافقة رئيس حركة "الجمهورية إلى الأمام"، كريستوف كاستنير، إلى مدينة بونتواز بضاحية باريس، لدعم مرشح الحركة.
ولكن النتيجة كانت مخيبة، وخسرت حركة ماكرون المقعدين معا، في ظل امتناع الكثير من الناخبين عن التصويت. وهو ما فسّره الكثيرون بالخيارات الصعبة للحكومة الفرنسية، والتي بدأ الفرنسيون يشعرون بقسوتها، خاصة المتقاعدين الذين فرضت عليهم ضريبة "المساهمة الاجتماعية العامة"، وفي ظل حركات اجتماعية عنيفة، كإضراب أصحاب السيارات ضد خفض السرعة القصوى، وإضراب حراس السجون، وهي حركة تحظى بدعم شعبي كبير. وهي كلها خيارات تثير الخلاف حتى داخل "الجمهورية إلى الأمام"، ويتزعم التمرد أعضاء يريدون أن تتوقف الحكومة عن السير يمينا، وأن تحاول استعادة بعض أصوات اليسار، وهو ما كان ينقص حركة ماكرون في منطقة بلفور، وهي قلعة يسارية تاريخية.
ويلخص المراقبون هذه الهزيمة "الرمزية" الثقيلة، (إذ لا تزال الحركة تحتفظ بالأغلبية المطلقة) بأُفول الدينامية الرئاسية التي كانت في كامل عنفوانها في شهر يونيو/حزيران، أثناء الانتخابات التشريعية، والتي لم تعد مؤثرة، بعد حدوث نكسات عديدة، وهو ما تكشف عنه النسبة المنخفضة لمن تحرَّك للإدلاء بصوته، وهي ما بين 20 و30 في المائة.
ومن الجهة المقابلة، تحقق أمل الرئيس الجديد لحزب "الجمهوريون"، لوران فوكييز، في الفوز بهذين المقعدين. وقد حدثت المعجزة التي بدأ على الفور تسويقَها، وكأنها انتصارٌ له وللقيادة الجديدة والخط السياسي والأيديولوجي الذي يمثله، بعد النزيف الكبير الذي حدث لأكبر حزب يميني فرنسي، مع انسحاب أو تجميد العديد من السياسيين لنشاطهم فيه.
لم يُخف فوكييز "انتشاءه" من الأمر واعتبره "تبرؤاً يعاقب بشدة سياسات الحكومة التي حكم المواطنون على نتائجها، بصرامة".
وقد جاءت النتيجة في صالحه مستفيدا في الدورة الثانية من أصوات "الجبهة الوطنية" و"فرنسا الواقفة" و"الوطنيون"، الذين تعبّأوا للمشاركة خلافا للعديد من ناخبي اليسار، وخصوصا الذين صوّتوا لصالح ماكرون في الرئاسيات، والذين خيّبت سياسات الحكومة الحالية بعد ذلك آمالَهُم، فلم يعودوا يجدون فرقا بين مرشح حزب يميني ومرشح حركة أغلبية رئاسية تنفّذ سياسة يمينية، باعتراف قياديين يمينيين.
انتخاب أعاد الأمل إلى حزب "الجمهوريون" ولعلّه سيساهم في وقف النزيف الذي شهده، منذ هزيمة مرشحه في الرئاسيات ثم النتائج المخيبة للآمال في التشريعيات وأخيرا منذ استيلاء الخط المحافظ والمتطرّف على قيادة الحزب برئاسة فوكييز.
ومن جهة حركة ماكرون، فإن سياسة "لا يسار ولا يمين"، أو "يمين ويسار في نفس الوقت"، فقد أثبتت محدوديتها، وأصبح من واجب الحركة أن تكشف عن خطها السياسي والأيديولوجي. ولعلّ السياسة المتبعة وبداية ظهور نتائجها في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، تكشف انزلاقا نحن الوسط واليمين. وهو ما قد يظهر بشكل بارز في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، التي قد تشهد، حسب كل التوقعات، تقارباً مع تيار ألان جوبيه، الذي جمّد عضويته في "الجمهوريون"، ومع حزب "الاتحاد الديمقراطي للمستقلين"، الذي بادر لدعم مرشح ماكرون، في انتخاب جزئي يومي 11 و18 مارس/آذار القادم، وهو ما يبشر بتحالف أوثق في الاستحقاقات الأخرى، الأوروبية والبلدية.
وهذا التقارب بين ماكرون واليمين دفع بالاشتراكي السابق، بونوا هامون، إلى اعتبار انتخابات الأحد، بأنها كانت مجرد سباق "بين يمين ويمين، وفي الأخير، فاز اليمين".