وشنّت الأجهزة الأمنية المصرية حملات اعتقالات شديدة خلال الشهرين الماضيين، طاولت ناشطين وصحافيين أغلبهم غير نقابيين، واختفى بعضهم قسرياً لفترة من الوقت، قبل أن يظهروا في النيابة بتهم "تقليدية" وهي الانتماء لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة وتكدير السلم المجتمعي. وكانت الجبهة المدنية الديمقراطية، والتي تتشكل من مجموعة أحزاب معارضة وشخصيات عامة، أعلنت موقفها بمقاطعة الانتخابات الرئاسية والدعوة لمقاطعتها، قبل أن يتقدم محامٍ ببلاغ إلى النائب العام ضد قيادات الجبهة بدعوى التحريض على المقاطعة.
وقال عضو في جبهة طريق الثورة إن حملات الاعتقالات الشديدة والمستمرة حتى الآن، أجبرت الجميع على التراجع عن تنظيم حملات مقاطعة لانتخابات الرئاسة.
وأضاف عضو الجبهة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن بعض الحركات الشبابية كانت تجهز لحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها تراجعت عن ترتيب هذه الحملات بشكل ممنهج، خوفاً من الملاحقات الأمنية الشديدة. ولفت إلى أن الأزمة تكمن في عدم رغبة النظام الحالي في تعبير المواطنين والقوى السياسية عن رأيها في الانتخابات الرئاسية، مع العلم أن المقاطعة حق دستوري أصيل، ومن صميم المشاركة السياسية. وأشار إلى أن الأحزاب تراجعت بشكل أساسي عن تدشين حملات لمقاطعة الانتخابات، إذ تتخوف على قياداتها وكوادرها من الاعتقالات التي تطاول كل من يتحدث عن مقاطعة الانتخابات. وتساءل: "لماذا تدفع القوى الشبابية والثورية الثمن دائماً في اتخاذ مواقف مناهضة للنظام الحالي، في حين تستجيب الأحزاب إلى الضغوط الأمنية؟".
ويتخوف النظام من تصاعد دعوات المقاطعة بما يؤثر على نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، والتي حددها موالون للنظام الحالي أنها يجب ألّا أن تقل عن 30 مليون ناخب. وتراجعت شعبية الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بشكل كبير بين مؤيديه وتحديداً خلال العامين الماضيين، وهي أزمة يحاول النظام الحالي التغلب عليها من خلال حملات الحثّ على المشاركة، فيكون العبء كبيراً إذا انتشرت دعوات المقاطعة، بحسب مصادر حزبية في الجبهة المدنية الديمقراطية.
وكشفت مصادر قريبة من دوائر اتخاذ القرار عن رصد جهات سيادية عدم وصول الناخبين إلى نسبة الـ 30 مليون ناخب، وبالتالي فإن ثمة أزمة في عمليات الحشد عبر الإعلام والحملات في الشارع. وقالت المصادر، في تصريحات خاصة، إن التقارير السيادية التي تقدم بشكل أسبوعي تقريباً، رصدت تراجع تأثير الحملات الإعلامية على المواطنين واحتمال عدم المشاركة الواسعة في الانتخابات المقبلة. وهذا ما يفسر ربما لجوء الجهات الأمنية إلى تجميع بطاقات الهوية للناخبين في بعض المناطق الشعبية، تمهيدا لإجبارهم على النزول والمشاركة في عملية التصويت، وهو ما كشفته "العربي الجديد" قبل أيام.
وفي السياق، قال الخبير السياسي، حسن نافعة، إن هناك شعوراً عاماً بعدم وجود منافسة حقيقية في الانتخابات الرئاسية، وهذا يدفع الناخبين لعدم المشاركة الحقيقية. وأضاف نافعة، في تصريحات خاصة، أن النظام الحالي أضفى جواً غير صحي من خلال التضييق على المرشحين الحقيقيين، وفي المقابل فإن منافس السيسي موسى مصطفى موسى ضعيف للغاية. وتابع أن مؤيدي السيسي يدركون أنه سيفوز أمام موسى مصطفى موسى، وبالتالي لا حاجة للنزول والمشاركة، فهذا حال المؤيدين، فما حال المعارضين للنظام الحالي؟
وأشار نافعة إلى أن هناك تصميماً على ألا تقل نسبة المشاركة عن 30 مليون ناخب، وهذا رقم كبير في ظل الظروف الراهنة، ولا يمكن توقع الوصول إليه، في ظل الأجواء الحالية. ولفت إلى أن المعارضة تراجعت عن دعوات المقاطعة بصورة ملحوظة بدون أسباب واضحة، لكن ربما يكون جزء منها متعلقا بالتضييق أو الثقة في عدم نزول المواطنين للمشاركة، وهذا ما سيتضح من خلال نسب المشاركة. وأكد أن السيسي يبدو واثقاً من الفوز، لكن الأهم بالنسبة له هو المشاركة الواسعة، لأنها تعطي انطباعات للغرب والمجتمع الدولي بوجود شعبية حقيقية، وهذا ما أكد عليه السيسي في أكثر من مناسبة عامة خلال العام الماضي والشهرين الماضيين من العام الجديد.