لم تكن سخنين بعيدة يوماً عن النضال في سبيل فلسطين، فقد شهدت في 30 مارس/ آذار من عام 1976 معارك شرسة وطاحنة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، دفاعاً عن أرض المل منطقة رقم 9. يومها أعلن الاحتلال حظر التجول في البلدة، في ظلّ المعارك التي دارت فيها، وكان لحيّ الحزين القسط الأكبر من المعركة، الذي قاوم أهله مقاومة شرسة، وارتوى ترابه بدماء الشهيدة خديجة شواهنة. يومها أيضاً خرجت النساء من بيوتهن مع الرجال، فتصدّرن الصف الأول لمقاومة الجيش الإسرائيلي ورمينه بالحجارة، وتركن أطفالهن في المنازل، وخرجن إلى معركة الدفاع عن الأرض. وحينما تتطلب الأمر، لم تتردد النساء بالوقوف بالصف الأول في المعركة أمام جنود الاحتلال في حي الحزين، فيما كان الرجال في الصف الثاني لحمايتهم من الاعتقال في معركة تصدى فيها الناس بالحجارة وألواح الزجاج والعُصي والمولوتوف للمدرعات والرصاص الحي لجيش الاحتلال.
ولا تزال تفاصيل هذه المعركة خالدة في ذاكرة الأهالي، لا سيما بعد سقوط ستة شهداء، هم رجا أبو ريا، وخديجة شواهنة، وخضر خلايلة من سخنين، وخير ياسين من عرابة، ومحسن طه من كفركنا، ورأفت الزهيري من مخيم عين شمس، في إطار الاحتجاجات التي خرجت رفضاً لقرار السلطات الإسرائيلية بالاستيلاء على نحو 21 ألف دونم من أراضي المل في قرى مثلث يوم الأرض بالجليل في عرابة، وسخنين، ودير حنا في عام 1976 بهدف تهويد الجليل وإقامة مستوطنات جديدة وتفريغه من العرب.
تستكمل صبحية محمد أبو يونس روايتها قائلة "عندما يأتي هذا التاريخ وأعود 40 عاماً إلى الوراء. عندما أحدث أحفادي عن هذا اليوم أبكي. كنت أمشي بالشارع والرصاص بين رجلي. كان الرجال يصرخون ويقولون لي إلى أين أنت ذاهبة؟ زوجك اعتقل وأنت تركضين بين الرصاص. مررت بين أشخاص قالوا لي إن يد زوجك كُسرت في السجن... أكملت طريقي". وتتابع "شاركت في ثلاث جنازات شهداء ولم أبكِ، ولم أذرف دمعة، رغم أنني أبكي من مشاهدة مسلسل، ذلك لأنني شعرت بأن هذا شيء مختلف عن الحياة التي عشناها. صعب أن أصف تاريخ 30 مارس. كان يوماً مفصلياً في تاريخ شعبنا، عرب 1948".
كاميرا "العربي الجديد" مع الحاجة هنية:
كما تروي الحاجة هنية شاهين كيف أنه حين "أعلن جيش الاحتلال حظر تجول، لم ينصّع لهم أحد، فالجميع خرجوا إلى الشوارع، رجالاً ونساء، وكذلك أنا. تركت أطفالي في البيت لوحدهم، وأغلقت الباب عليهم. ووقفنا في الصف الأول بالشارع والرجال خلفنا في الصف الثاني كي نحميهم من الاعتقال. ورشقت الحجارة على الجيش مثلي مثل جميع النساء". وتستذكر المزيد من التفاصيل بقولها "كان راجح الميعاري أول شاب من حينا اعتقله الاحتلال، وربطوه وجروه في الشارع أمام الجميع لكي يرهبوننا". وتشير شاهين إلى أن "أكثر ما أقلقني يومها هو أنني خفت على أطفالي لأنهم خافوا كثيراً". خوض المعركة بالنسبة إليها لم يذهب سدى. تقول "حالياً نملك أرضاً مساحتها ستة دونمات من أراضي المل، التي خضنا المعركة من أجلها. أزور أرضنا أنا وزوجي كل يوم، فهي مليئة بشجر الزيتون ونأكل من ثمارها والحمد لله. نأكل الملوخية منها أيضاً".
أما محمود شواهنة (71 عاماً)، وهو زوج الحاجة هنية ويتحدر من حي الحزين بسخنين أيضاً، فيقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النساء كنّ شريكات في معركة يوم الأرض، فرشقن الحجارة، واستعملن ألواح الزجاج كسلاح وضربوا به الجنود". ويتابع "نحن نملك أرضاً في المل، وقبل عام 1976 كان ممنوعاً علينا أن ندخل أرضنا، ولكن كنت أدخلها غصباً عنهم، وكانوا يعتقلونني لمدة يومين في كل مرة أدخل إليها. كنت أزرعها، وبعدها يأتي الجيش بالدبابات ويخربون الزرع، وهذا كان يحصل للجميع". ويتذكر حجم المعاناة قائلاً "كان يجب جلب تصريح من مدينة شفاعمرو أو من عكا كي ندخل إلى أرضنا الزراعية، التي زرعها الاحتلال بالألغام، وقد قُتل نحو عشرة أشخاص بسبب الألغام نتيجة دخولهم لأراضيهم".