في المقابل، فإن ما هو مؤكد هو أن الرئيس الفرنسي لم يحترم تعهده بضرب النظام السوري في حال تجاوزه لخطوط حمراء، كانت فرنسا هي التي رسمتها، وغرق الموقف في تناقض بين تصريحات وزير الخارجية جان إيف لودريان ووزيرة الجيوش فلورانس بارلي، استغله النظام السوري، وحليفه الروسي، لإفراغ منطقة الغوطة الشرقية من سكانها، قبل اجتياحها بصفة نهائية.
وهذه الأسئلة تلحّ، الآن، أكثر من أي وقت مضى، بمناسبة لقاء في الإليزيه بين الرئيس الفرنسي ووفد يمثل "القوات الديمقراطية السورية"؛ فقد استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الخميس، حسب بيان صادر عن الإليزيه، وفدا يمثل "القوات الديمقراطية السورية"، وأكّد لهم "دعم فرنسا".
وقد استغل الرئيس الفرنسي، كما يقول بيان الإليزيه، المناسبة للإشادة بـ"التضحيات والدور الحاسم الذي لعبته القوات الديمقراطية السورية في الحرب ضد تنظيم داعش". وينقل البيان أن الوفد السوري كان يتألف مناصفة من نساء ورجال، وعرب وأكراد سوريين.
وتجدر الإشارة إلى وجود قوات فرنسية خاصة في سورية، يؤكدها مقتل بعض أفرادها وبعض الأخبار عن مطاردتها لمتشددين فرنسيين، في محاولة لأسرهم أو تصفيتهم، لكن الحكومة الفرنسية، لحد الآن، رفضت الكشف عن مكان وجود قواتها وعدد أفرادها.
ورغبة من الرئيس الفرنسي في عدم إثارة حساسية وغضب تركيا، أعاد التذكير بـ"التزام فرنسا ضد تنظيم بي كي كي (حزب العمال الكردستاني)، وتعلقها بأمن الدولة التركية".
كما عبّر ماكرون عن أمله في "إجراء حوار بين القوات الديمقراطية السورية وتركيا، بدعم من فرنسا والمجموعة الدولية".
ولم يُخف الرئيس الفرنسي قلقه من عودة "داعش"، وهو ما اعتبره من الأولويات، وأعلن عن "إعادة التأكيد على أولوية هذه الحرب ضد داعش، في الوقت الذي لا يزال التهديد قائما".
وطمأن الرئيس الفرنسي الوفد السوري، بدعم الاستقرار في منطقة الأمن في شمال شرق سورية، في "إطار حَوْكَمة جامعة ومتوازنة، من أجل تفادي كل عودة جديدة لتنظيم داعش، في انتظار حل سياسي للصراع السوري".
ويقول بيان الإليزيه إن الرئيس أحيط عِلماً بـ"التزام القوات الديمقراطية السورية بألا تكون لها أي علاقة عملياتية مع هذه المجموعة الإرهابية (بي. كي. كي)، وبإدانة كل عمل إرهابي مهما كان مصدره".
ولم يتسنّ، بعد اللقاء، معرفة موقف فرنسا من خيار إرسال قواتها إلى سورية، لأن البيان الفرنسي لا يشير إلى ذلك، إلّا أن مواقف صدرت عن الوفد ومؤيديه تلمّح لتغيّر جوهري في الموقف الفرنسي.
لكن في المقابل، أعلنت عضو الوفد، آسيا عبد الله، في ندوة صحافية، أن "فرنسا ستقوم بإرسال قوات عسكرية إلى منبج"، وأنها "ستعزز من تعاونها"، في الوقت الذي يهدد فيه الرئيس التركي رجب أردوغان، باقتحام المدينة، التي تتواجد فيها قوات أميركية، بحجة وجود عناصر إرهابية تهدد الأمن القومي التركي.
ومن جهته، قال عضو الوفد، خالد عيسى، إنه "في إطار تأمين إعادة البناء في شمال سورية، ستقوم فرنسا، ودول أخرى، بتعزيز تواجدها في منبج للدفاع عنها".
وقد أكد الكاتب باتريس فرانسيشي، المعروف بدعمه للأكراد، أن "الانتشار العسكري الفرنسي سيكون سريعا".
وكان فرانسيشي حذّر في السابق من انعكاس عدم تدخل فرنسا في المناطق الكردية في سورية على الأمن القومي الفرنسي، معتبرا أنه سيساعد الشبكات الإرهابية على تجميع قواها.
وإزاء الغضب التركي الشديد، الذي لم يتأخر، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن: "نرفض أي جهد يهدف إلى تشجيع حوار أو اتصالات أو وساطة بين تركيا وهذه المجموعات الإرهابية". وإزاء الغموض الذي لفّ موضوع تدخل فرنسي محتمل في سورية، والذي غذّته المواقف المتسرعة والمُبالغة في التفاؤل لبعض أعضاء الوفد، الذين قرأوا في اللقاء مع الرئيس الفرنسي موافقة على طلباتهم، صدر بيان جديد للإليزيه، اليوم الجمعة، يوضح ما جرى ويعيد الأمور لحقيقتها.
وأكد البيان أنه "لا وجود لعملية عسكرية فرنسية جديدة في سورية"، وأن فرنسا "منخرطة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش".
وهنا يتوجب على وفد مليشيات "قوات سورية الديمقراطية"، وخاصة من أراد إظهار لقاء الإليزيه بمظهر لقاء ماكرون مع أكراد سورية، أن "يراجعوا مواقفهم، وأن يفهموا مواقف القوى الغربية جيدا"، حسب ما يشير مطلعون على العلاقة الفرنسية مع الأكراد السوريين.