أجمع مراقبون في تونس على أن حكومة يوسف الشاهد قد دخلت "الوقت البديل" بعد الإجماع الحاصل حول تغييرها، وأشارت كل المعطيات إلى أن "الحكومة أصبحت معزولة لكنها تسعى إلى فرض واقع جديد قبل الانتخابات المحلية (مايو/أيار المقبل) يقود إلى الاستنتاج بأنه لا حلّ إلا في إبقائها".
وبات هناك اليوم مساران متوازيان، قرطاج والقصبة، في ظلّ بحث الأحزاب والمنظمات الاجتمإعية خارطة طريق الإصلاحات الضرورية للمرحلة المقبلة. أما الحكومة فنظّمت أمس الأربعاء، ندوة وطنية حول الإصلاحات الكبرى، روَّجت لها إعلامياً على مدار الأسبوع الماضي. وهي ندوة قاطعتها أحزاب عدة واتحاد الشغل أيضاً.
واعتبر الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، في حديثٍ للإذاعة التونسية، أن "الندوة الوطنية حول الإصلاحات الكبرى التي تنظمها الحكومة تشويش على وثيقة قرطاج". وأضاف أن "الدعوة جاءت متأخرة ولم يتلقوا أي توضيح بخصوص محاور الندوة"، متسائلاً: "هل إن الحكومة ملزمة بمخرجات لجنة الخبراء المنبثقة من وثيقة قرطاج أم أن هناك رؤية أخرى"؟
وأكد المكلف بالإعلام بالاتحاد العام التونسي للشغل، غسان القصيبي، في تدوينة نشرها على موقع "فيسبوك"، أن "سبب عدم مشاركة الاتحاد في الندوة المذكورة يعود إلى وصول الدعوة متأخرة، يوم السبت الماضي عند الساعة الرابعة ظهراً، أي بعد التوقيت الإداري كما تلا ذلك يوما عطلة"، معتبراً أن "برمجة ندوة مهمة حول الإصلاحات الكبرى تتطلب تحضيراً للملفات". وشدّد على أن "تأخر إرسال الدعوة يفهم منه أن الحكومة غير قادرة على المضي قدماً في الإصلاحات ونحو التقدم بالبلاد بدعوات تأتي متأخّرة تؤكد غياب الجدية وغياب الاستشراف والبرمجة". واستغرب من تضمن دعوة الحضور مداخلة للاتحاد، متسائلاً في الوقت عينه عن "إمكانية استعداد الاتحاد للندوة في يومي عطلة"؟
ودلّت المعطيات على أن الاجتماع الذي جمع رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان ومنظمتي اتحاد الشغل ورجال الأعمال، الأسبوع الماضي، لم يغيّر شيئاً في المعطيات المعروفة ولم ينجح في إذابة الجليد بين الحكومة والاتحاد، بل تواصل الخلاف وربما اشتد مع التصريحات القوية لمسؤولي الاتحاد الذين اعتبروا أن "الحكومة قد فاتها القطار"، أي أن محاولات الإنقاذ جاءت متأخرة.
ولكن الحكومة وجّهت بندوتها حول الإصلاحات رسالة إلى معارضي تغييرها، مفادها أنها "جاهزة للمرحلة المقبلة وأن تغييرها سيضيّع وقتاً ثميناً في وقت حساس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، قبل انتخابات لا ينبغي التشويش عليها، وأنه لا جدوى من حكومة جديدة ستستغرق وقتاً طويلاً للإمساك بالملفات، بينما هي جاهزة وبإمكانها مواصلة العمل.
ويقود هذا التوجه تحديداً الوزير المكلف بالاصلاحات، توفيق الراجحي، الذي يحاول إقناع حزبه، حركة النهضة، غير المتحمس للتغيير، بأن "الإبقاء على الحكومة أمر ضروري"، غير أن مصادر مطلعة تؤكد لـ"العربي الجديد" أن "هذه المحاولات جاءت بالفعل متأخرة كثيراً، وأن المسألة محسومة وهي مسألة وقت لا أكثر".
وبخصوص جوهر هذا الخلاف اقتصادياً، شدّد رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في كلمة ألقاها في افتتاح الندوة الوطنية حول الإصلاحات الكبرى، على أن "الحكومة ليس لها مشروع إيديولوجي للتوظيف في المؤسسات العمومية"، مؤكداً أن "الإصلاحات لا تملى علينا من أي طرف فهي خيارنا"، في رد واضح على كل من قال إن "الحكومة أصبحت تأتمر بأوامر صندوق النقد الدولي". وقال الشاهد إن "حكومته تقدم مشاريعها الإصلاحية لكل التونسيين وخرجت بها من الغرف المغلقة ولهم أن يقيّموها بأنفسهم". وتابع "ليس للحكومة مشروع إيديولوجي قائم على التوظيف في المؤسسات العمومية أو خصخصتها، فلا التعليم ولا الصحة ولا الشركة التونسية للكهرباء والغاز ولا الشركة التونسية للاستغلال وتوزيع المياه سيتم خصخصتها. نحن حريصون على المرفق العام في الديمقراطية الاجتماعية، ولا بد من التفريق بين المؤسسات العامة في القطاعات التنافسية وبين تلك المصنفة ضمن المرافق العامة. وبرنامجنا في إصلاح المؤسسات العامة يقوم على رؤية كاملة تضمن حقوق العمال والموظفين وتحافظ على مردودية مالية إيجابية لفائدة المجموعة الوطنية". وركّز الشاهد على أن "الأموال التي تضخ في هذه المؤسسات من الأفضل أن تخصص للتقليص في عجز ميزانية الدولة والتنمية في المناطق الداخلية وتطوير منظومتي الصحة والتعليم".
وبقطع النظر عن الجدل الاقتصادي، فإن الثابت هو أن هناك خلافاً عميقاً ترسّخ في النهاية في الساحة السياسية التونسية، ويزيده اصرار الحكومة على البقاء تعقيداً، لأنه سيعيد نفس مشهد استبعاد رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد. وفي حالة الإجماع على قرار إبعاد الشاهد، سيكون البلد أمام سيناريو الانتظار والتعطيل أشهراً عدة ريثما يتم إقناعه بالاستقالة أو الذهاب إلى البرلمان مرة أخرى. وهي الرسالة التي ترغب الحكومة بتوجيهها إلى الجميع، بما يعني أن الإبقاء عليها وإيجاد أرضية تفاهم معها أفضل بكثير من كل السيناريوهات الأخرى.