يحاول النظام المصري تجهيز سيناريوهات لمرحلة ما بعد حليفه في ليبيا اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، بعد تدهور حالته الصحية، رغم الأنباء التي تحدثت في الساعات الماضية عن تحسنها. وتعرّض حفتر لأزمة صحية مفاجئة، سافر على إثرها لتلقي العلاج في أحد المستشفيات الفرنسية، وسط غموض تام لوضعه الصحي حتى الآن، نظراً لتهرّب المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، من الحديث عن هذا الأمر. ويسعى النظام المصري إلى تثبيت الأوضاع في ليبيا واستمرار المخططات الرامية لتوحيد المؤسسة العسكرية، ومعركة اقتحام درنة، في إطار إظهار عدم وجود تأثر بأزمة حفتر الصحية، إلى حين اتضاح وضعه بشكل نهائي بناء على التقارير الطبية.
وقالت مصادر مصرية، قريبة من الملف الليبي، إن هناك قلقاً بالغاً لدى الإدارة المصرية الحالية حيال الأوضاع في ليبيا خلال الفترة المقبلة، خصوصاً بعد تدهور الحالة الصحية لحفتر. ووصفت المصادر الوضع الصحي لحفتر بـ"الغامض"، ولا يمكن الحكم على مدى قدرته على استكمال مهامه في قيادة القوات العسكرية في المعسكر الشرقي في ليبيا خلال الفترة المقبلة، هذا على الرغم من إمكانية تحسُّن حالته الصحية. وأضافت، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحالة الصحية لحفتر لا تزال غير مستقرة، وخلال الأيام القليلة المقبلة سيتم تحديد مدى قدرته على العودة لممارسة دوره في قيادة العمليات العسكرية في شرق ليبيا أم لا. وأشارت إلى أن المسؤولين في القاهرة وأبوظبي يترقبون عن كثب تطور الوضع الصحي لحفتر، للتعامل مع كل المتغيرات بشكل سريع، لعدم خسارة المعسكر الشرقي بعد توحيده كنواة صلبة للسيطرة على ليبيا.
ولفتت المصادر إلى أن هناك أزمة شديدة في حال التأكد من عدم قدرة حفتر على الاضطلاع بمهامه، لناحية صعوبة وجود البديل، أو على الأقل الفترة الزمنية الضيقة لتجهيز هذا البديل. وأشارت إلى أن ثمة تقارير أعدتها الجهات المعنية بالملف الليبي في إطار تقدير الموقف، تطالب بضرورة التدخل العاجل للتعامل ووضع سيناريوهات ما بعد حفتر، من دون انتظار تحسن الوضع الصحي له خلال الفترة المقبلة. وأوضحت أن هناك تخوفاً من سيناريو الفوضى في شرق ليبيا إذا غاب حفتر عن المشهد وعدم تحضير سيناريوهات للتعامل مع الوضع الجديد، إذ إنه يتمتع بتوافق لدى كل الأطراف الفاعلة في الشرق، وبالتالي فإن إيجاد البديل ستكون عملية صعبة للغاية. ولفتت إلى أن تصعيد أحد قيادات ما يعرف بالجيش الوطني الليبي التابع للمعسكر الشرقي، سيكون له سلبيات، لناحية إمكانية نشوب خلافات بين قادة هذه القوات، باعتبار أن كلاً منهم يرى أحقيته بلعب نفس دور حفتر، وهنا قد تحدث صدامات مسلحة بين مكونات قوات حفتر. وشددت على وجود تواصل مع القادة البارزين ضمن قوات حفتر من جانب القيادة المصرية والجهات المعنية بالملف الليبي، وتحديداً الجيش المصري، لضمان استمرار السيطرة على الأوضاع.
ولم تستبعد المصادر ذاتها، سفر قيادات عسكرية مصرية إلى ليبيا خلال الأيام المقبلة، للإشراف على عملية اقتحام مدينة درنة، ولكن الهدف الأساسي هو التواجد وسط الحدث، لترتيب المشهد تحسباً لسيناريوهات ما بعد حفتر. وحول قدرة القاهرة على ضبط الأوضاع في شرق ليبيا، أكدت المصادر أن هذا الملف يعتبر أولوية بالنسبة للنظام المصري، وهناك اجتماعات بين الجهات المعنية بهذا الملف خلال الأيام القليلة الماضية، وإرسال كل جديد للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. وقالت إن الوضع في ليبيا حساس للغاية، في ظل عدم قدرة حفتر على السيطرة المطلقة على الأوضاع هناك، ورفض المعسكر الغربي له، كما أن تعقيدات تأتي في ظل عدم إحراز تقدم ملموس على أرض الواقع بشأن توحيد المؤسسة العسكرية الليبية. وأضافت أنه على افتراض نجاح الجهود المصرية لتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا لَما كان كل هذا القلق، ولكن التخوفات تتعلق بوجود فراغ، والبدء من جديد في هذا الصدد. وأوضحت أن اللجنة المعنية بملف الأزمة الليبية أجرت اتصالات بقادة عسكريين من الغرب، للتأكيد على مواصلة العمل والجهود في سبيل توحيد الجيش الليبي، بغض النظر عن الوضع الصحي لحفتر، ومستقبله في المشهد.
وعلى الرغم من اعتراف المصادر بأن ابتعاد حفتر عن المشهد الليبي قد يسهم في مزيد من المرونة في توحيد المعسكرين الشرقي والغربي، إلا أن بديل حفتر ليس جاهزاً حتى الآن. وأقرّت المصادر بمحاولة القاهرة، في أوقات سابقة، تجهيز بديل لحفتر، لكي يكون ذراعاً للنظام المصري في ليبيا، خصوصاً بعد فشله في القضاء على المجموعات المسلحة، وضبط الحدود بين مصر وليبيا، وخروجه عن الخط العام الذي رسمته المؤسسة العسكرية المصرية أكثر من مرة، إلا أنها لم تجد بديلاً مناسباً بعد.