لم يكن من المتوقع في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً أن تنسكب المياه الباردة بهذه السرعة على العلاقات شديدة السخونة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكوريا الشمالية، إذ انتقلت من التراشق المتبادل بلغة التهكم والتحقير والتهويل بحرب التدمير النووي بين الجانبين، إلى لغة نقيضة تحدث بها ترامب بعد عودة مبعوثه من زيارة سرية وفوق العادة إلى بيونغ يانغ.
وما استدعى التوقف عنده كان وصف ترامب للاجتماع غير المسبوق بين مايك بومبيو مدير المخابرات المركزية الأميركية والمرشح لتولي وزارة الخارجية، وزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون؛ بأنه جرى "بسلاسة ملحوظة ونتج عنه تكوين علاقة جيدة"، بين الطرفين مع ما توفره من "فرصة عظيمة لحل أزمة دولية".
كلام يتجاوز التعبير عن نجاح الزيارة ليؤكد ليس فقط أن القمة صارت محسومة، بل أيضاً أن التوافق قد جرى على جدول أعمالها وبنوده الحساسة وعلى رأسها الملف النووي وقضية الهدنة والبحث بتحويلها إلى اتفاقية سلام، شديد الأهمية بالنسبة إلى بيونغ يانغ.
الإشادة بالزيارة، توحي بوضع البندين على الطاولة. ويعتبر ذلك بمثابة تطور واعد وبداية ولو أن طريقه طويل، إذا كان هناك من طريق لمقايضة المشروع النووي باتفاقية سلام تقضي بانسحاب القوات الأميركية من شبه الجزيرة الكورية، والذي طالما رفضته واشنطن.
بذلك تكون الطبخة التي بدأ وضعها على النار مع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية في فبراير/شباط الماضي، قد دخلت طور إنضاجها لصياغة مخرج للأزمة الكورية؛ بعد أن شارك فيها أكثر من طباخ: وزير الخارجية المقال ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، وكبير الطهاة الرئيس الصيني شي جين بينغ.
لكن بقي السؤال: لماذا انقلب ترامب على موقفه من "رجل الصواريخ" بعد أن كان قد نصح الوزير تيلرسون "بعدم تضييع وقته" بالدبلوماسية مع كوريا، وبعد أن استقدم رجلي المواجهة جون بولتون ومايك بومبيو إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية؟ هل في حساباته أن هناك ساحات للمواجهة أقل كلفة من الحرب مع كوريا الشمالية؟
في هذا السياق، كان من الملاحظ أن تركيز التصويب على إيران قد انتعش بموازاة هذا التحول مع كوريا وبالتزامن معه. من أبرز تجلياته كان التمهيد المتزايد لقرار التنصل من الاتفاق النووي الذي يزمع الرئيس ترامب إعلانه في 12 مايو/أيار المقبل، ثم أخذ الحديث شحنة إعلامية مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لواشنطن. تفاقم ذلك مع الاحتكاكات الإسرائيلية الإيرانية في سورية.
كل هذه المناخات أثارت الشكوك لدى بعض دوائر الكونغرس بأن شيئاً ما تعده الإدارة في هذا الخصوص. وقد جرى التعبير عنه في جلسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ مع بومبيو قبل أسبوع، عند استجوابه حول السياسات التي ينوي اعتمادها في عدة ملفات دولية وعلى رأسها النووي الإيراني. إجاباته في هذا الموضوع عززت الشكوك.
تُركت مواقف بومبيو بين المعلقة والضبابية وبما أثار اعتراضات على تعيينه، بدأت تتكشف ملامحها من خلال تصريحات بعض أعضاء اللجنة. على الأقل واحد من الجمهوريين، السناتور رون بول الذي التزم بالتصويت ضده في اللجنة. كما أعلن اثنان على الأقل من الديمقراطيين عن الموقف ذاته. وبذلك يبدو أنه لن يحصل على الأكثرية المطلوبة في اللجنة المؤلفة من 21 سناتور: 11 جمهورياً و10 ديمقراطيين. وبذلك تسجل اللجنة أول رفض لها في مثل هذا التصويت منذ أكثر من مئة سنة.
تطور له مدلوله لجهة التخوف من توجهات الوزير المرشح وبالذات في النووي الإيراني وما قد يتبعه، حتى ولو أن فشله في اللجنة لن يمنع من طرح ترشيحه على عموم مجلس الشيوخ مع ترجيح فوزه بالنهاية وإن بغالبية تعكس هذه المخاوف.
إذا كان لهذه الأجواء من مؤشر فهو أن حلحلة الملف الكوري من شأنها تزخيم التصعيد مع إيران المتوقع أن يبدأ مع النووي الذي يستعجل الثلاثي بولتون وبومبيو وترامب إسقاطه.