وتجمع عوامل مشتركة وكثيرة بين هذه المدن العراقية الواقعة شمال العراق وغربه ووسطه والتي تم تحريرها في فترات متفاوتة تتراوح بين أربعة أعوام، كما في جرف الصخر شمال محافظة بابل، وعامين، وكما في بيجي قرب تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين. وأهم هذه العوامل التكوين المذهبي والقومي لسكان هذه المناطق والجهات التي تسيطر عليها عسكرياً.
وأبلغ مسؤول في مجلس أمناء مفوضية الانتخابات، "العربي الجديد"، بأن المفوضية "أرسلت قبل أشهر، إخطاراً رسمياً للحكومة يفيد باستعدادها لتأمين الانتخابات في هذه المناطق، لكنها لم تلقَ أي ردّ منها"، موضحاً أنّ "المفوضية تشكو من لامبالاة النازحين في خيامهم بالمعسكرات التابعة لوزارة الهجرة أو التابعة للأمم المتحدة، بالانتخابات، أو بتحديث معلوماتهم الانتخابية أو حتى بحملات المرشحين". وأعرب عن اعتقاده بأن "نتائج الانتخابات العراقية ستشهد خللاً واضحاً في تمثيل بعض المحافظات طائفياً، فتمثيل العرب السنة في بابل سيكون ضعيفاً جداً، وسيطرتهم في ديالى وصلاح الدين وحزام بغداد ستتراجع. وكذلك الحال بالنسبة للأكراد في المناطق المتنازع عليها التي أخضعتها بغداد لسيطرتها ونتج عنها في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي هجرة عشرات الآلاف من الأكراد إلى داخل إقليم كردستان كنازحين. وأيضاً الأمر نفسه سيشمل المسيحيين والشبك في نينوى وكركوك".
ومن بين المدن الخالية من أهلها والتي تكاد تكون معزولة عن باقي مدن العراق المكتظة بصور ولافتات المرشحين وحفلاتهم ومؤتمراتهم الانتخابية هي جرف الصخر (شمال بابل) والنخيب والعويسات والجنبلاطية والصخيرات والزوية ومناطق أخرى كلها ضمن الأنبار المحاذية لمحافظة بابل، ومدينتا بيجي والصينية ومناطق في يثرب وسلمان بيك وذراع دجلة ونواحي طوزخورماتو وبحيرة الثرثار وخط اللاين والتي تقع كلها في محافظة صلاح الدين. كذلك، هناك مناطق في شمال شرق محافظة ديالى وتضم قرى وبلدات صغيرة تابعة للمقدادية ودلي عباس ومندلي وخانقين، وقرى ومناطق في التون كوبري والدبس في جنوب غرب كركوك، وقرى الحويجة في محافظة كركوك. كذلك الأمر في سنجار ومحور زمار ومخمور حيث توجد 29 قرية في سهل نينوى جميعها قرى مسيحية عربية، ومناطق قرب تلعفر مثل عين الحصان والفرحانية وتل البنان والغزل وطوكة، وأخرى تقع جنوب البعاج على الحدود مع سورية.
ويبلغ عدد سكان تلك المناطق بشكل إجمالي أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، تتصدّرها مدينة جرف الصخر بـ 300 ألف نسمة، ثمّ بيجي في محافظة صلاح الدين. ويعيش غالبية هؤلاء السكان في معسكرات ومخيمات مغلقة في محافظة الأنبار ونينوى وصلاح الدين، فضلاً عن مناطق إقليم كردستان العراق، الذي تتوفر لهم فيه ظروف إنسانية أفضل من المناطق الأخرى.
ويقول مراقبون عراقيون إن هناك حالة مشتركة بين المدن التي لم يعد أهلها إليها، هي أنها جميعها بسبب سياسي طائفي يتعلّق بالانتخابات المقبلة. وفي هذا الإطار، قال هشام الشطري عضو الحزب الشيوعي العراقي الذي اندمج أخيراً مع التيار الصدري في تحالف "سائرون"، لـ"العربي الجديد"، إن "جهات إسلامية راديكالية تمنع عودة السكان لتلك المدن، ليس لأسباب أمنية، وإنما لأسباب انتخابية"، موضحاً أنّ "الأمم المتحدة ومنظمة مكافحة الألغام التي تعمل تحت وصاية بعثة الأمم المتحدة، وكذلك الجهد الهندسي في وزارة الدفاع العراقية، أصدرت جميعها بيانات متتالية، أكدت رفع مخلفات داعش وتفكيك الألغام والعبوات الناسفة في المناطق التي تمّ تحريرها، وبعضها يعود لثلاث سنوات، لكن جهات داخل الحشد الشعبي وأخرى بحزب الدعوة ومنظمة بدر والفضيلة والمجلس الأعلى، تمنع عودتهم لأن عودة السكان تعني عودة المنافس الانتخابي لهم في المحافظات المختلطة طائفياً، باعتبار أن كل النازحين من السنة".
وأضاف الشطري أنّ "الأمر نفسه ينطبق على المناطق المتنازع عليها، فهناك قرى تركمانية تتبع الحشد الشعبي تمنع عودة السكان، وهذا واضح. وكذلك بالنسبة للمسيحيين، فهناك مليشيا بابليون التي تسببت بانقسامات حادة داخل النسيج المسيحي في العراق الذي طالما عرف بتماسكه على مدى السنوات الماضية"، لافتاً إلى أنّ "الأحزاب الإسلامية هي أكثر المتورطين بهذا الملف الأخلاقي وهي تتحمّل مسؤولية الإعلانات المتكررة عن الوفيات في المخيمات نتيجة سوء التغذية وانعدام مقومات الحياة فيها".
من جانبها، أكّدت النائب في البرلمان عن محافظة صلاح الدين، أمل مرعي، أن "غياب سكان هذه المدن عنها، يعني أنه سيؤثر بشكل سلبي وكبير للغاية على نتائج الانتخابات"، مضيفةً في حديث لـ "العربي الجديد" أنّ "المشكلة في أنّ مفوضية الانتخابات اعتمدت في جزء من تلك المناطق، مراكز اقتراع، في حين أنه لا يوجد سكان فيها، إضافة إلى مراكز أخرى في مناطق بعيدة للغاية عن مكان نازحي هذه المدن، وهذا لن يساعد على ممارسة المواطنين حقهم بالتصويت".
بدوره، قال القيادي عن تحالف "القوى العراقية"، سالم العيساوي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "هناك جهات أمنية ومليشياوية تمنع عودة السكان إلى مناطق عدة في محافظة الأنبار"، مضيفاً "لدينا في الأنبار مناطق عدة لن تكون فيها انتخابات بسبب عدم السماح لأهلها بالعودة إليها تحت حجج مختلفة، فضلاً عن وجود أعداد كبيرة من السكان النازحين حالياً، وهذه المناطق باتت حالها حال جرف الصخر".
أمّا عضو التحالف الوطني الحاكم في العراق، صادق المحنا، فأكّد لـ"العربي الجديد"، أن "جميع سكان مدينة جرف الصخر نازحون"، مضيفاً "كلهم أهلنا وناسنا ومن حقهم أن يعودوا لا سيما أنّ الوضع الأمني استقر ولا وجود لخطر داعش، فالتنظيم اندحر وأنا من الدعاة لعودة النازحين في جرف الصخر والمناطق كلها، لكن لحدّ هذه اللحظة لم يعد أحد من سكان هذه المناطق".
وفي السياق ذاته، تحدّث مسؤول في وزارة الهجرة العراقية ضمن دائرة عمليات إعادة النازحين لـ"العربي الجديد"، حول سبب عدم عودة السكان لتلك المدن. وقال إن "عمليات إعادة النازحين التي جرت سابقاً وبشكل سريع شملت المحافظات والمدن غير المختلطة طائفياً أو قومياً"، مضيفاً أنّ "المدن المختلطة داخلياً أو المدن التي تقع في محافظات ذات غالبية معينة، كما في بابل، تمّ استثناؤها رغم عدم وجود ما يدعو لذلك". وتابع المسؤول، والذي طلب عدم ذكر اسمه، "دعنا نكون واضحين، في هذا الملف تحديداً كل سياسي ومراقب للشأن العراقي يعرفه، ولن نأتي بجديد إذا قلنا إن هذه المناطق والمدن المعزولة أو المهجورة الخالية من الحياة إلى الآن تقع في بابل وصلاح الدين وكركوك وديالى ونينوى وهي محافظات فيها خليط، وغياب أحد مكونات هذا الخليط يصب بصالح الطرف الثاني، وهذا سبب رئيسي لمنع عودة الناس لمدنهم. كما أنّ هناك مناطق استراتيجية يحتفظ بها الحشد كموقع جغرافي مهم له". خاتماً بالقول "سيعودون إليها بعد انتهاء الانتخابات بشكل تدريجي، لانتفاء الحاجة إلى بقائهم في مخيمات داخل الصحراء".