البحرين: تشجيع ضمني من السلطات للمجموعات الطائفية الحليفة لإيران

21 ابريل 2018
تعيش البحرين وضعاً سياسياً حرجاً منذ 2011(محمد الشيخ/فرانس برس)
+ الخط -
يقدم رصد سلوك السلطات البحرينية، على الأقل منذ احتجاجات عام 2011، مع معارضيها، وجزء كبير منهم من الشيعة، صورة واضحة عن كيف خدمت المنامة عملياً خيار اللجوء إلى العنف من قبل مجموعات راديكالية متهمة بالتبعية لإيران، بعدما أغلقت السلطات المجال أمام أي اعتراض سياسي سلمي، من خلال أحزاب أو جمعيات أو الشارع أو المرجعيات الدينية.

وتعيش مملكة البحرين، وهي الدولة الأصغر في منظومة مجلس التعاون الخليجي، وضعاً سياسياً حرجاً وسط انقسام شعبي لم يسبق له مثيل على خلفية أحداث فبراير/ شباط عام 2011 حينما خرج المحتجون تأثراً باحتجاجات الربيع العربي، مطالبين برحيل رئيس مجلس الوزراء خليفة بن حمد آل خليفة. وسرعان ما قمعت السلطات البحرينية هذه التظاهرات مخلفة العشرات من القتلى، فضلاً عن دخول قوات درع الجزيرة الخليجية للمنطقة فارضة الأمن في الجزيرة الصغيرة. وأدى هذا القمع بدوره إلى ردود فعل، بينها ما هو عنفي، تتهم إيران بالوقوف خلفه، لتبرر به السلطات البحرينية بدورها القضاء على كافة المنابر المعارضة، المدنية والسياسية والدينية. وأحدث أشكال التعاطي البحريني الرسمي الذي قد يولد ردود فعل يُخشى أن تكون عنفية، إصدار محكمة بحرينية، يوم الخميس، أحكاماً بالسجن وإسقاط الجنسية عن 24 مواطناً، بعد إدانتهم بتشكيل "جماعة إرهابية" والتدرب في العراق وإيران ومحاولة قتل عناصر في الشرطة. وقال مصدر قضائي لوكالة "فرانس برس"، إن المحكمة الكبرى الجنائية البحرينية قضت بالسجن المؤبد على 10 من المتهمين، والسجن 10 سنوات على 10 آخرين، بالإضافة إلى السجن لخمس سنوات لـ3 متهمين آخرين، وعلى متهم واحد بالسجن لثلاثة أعوام. كذلك أمرت المحكمة بإسقاط الجنسية عن المدانين جميعاً.


وكان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، قد قام بحملة إصلاحات فور توليه الحكم منهياً حالة الطوارئ في البلاد والتي استمرت قرابة 30 عاماً. كما وضع ميثاق العمل الوطني وطرحه للتصويت عام 2001، فضلاً عن إقرار دستور البلاد عام 2002 والذي يتضمن عودة الجمعيات (الأحزاب) السياسية وتمكين الأغلبية الشيعية من ممارسة العمل السياسي العلني لأول مرة. كما تم السماح للمنظمات العلمانية واليسارية بالعمل، حيث شاركت المعارضة في الانتخابات البرلمانية عاميّ 2006 و2010 وانتصرت فيها جمعية الوفاق الإسلامية التي تمثل الأغلبية الشيعية. لكن احتجاجات 2011 طالبت بإقالة رئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي تورط بقضايا فساد مالي وسياسي وأشرف على التعذيب في السجون البحرينية. كما طالب المحتجون، الذين سيطروا على دوار اللؤلؤة، وسط العاصمة البحرينية المنامة، بمنح مجلس النواب صلاحيات أكبر، خصوصاً مع الدعم الملكي الواسع للنواب الموالين له، وتعيين أشخاص محسوبين عليه في البرلمان بدون انتخاب.
وأدت التطورات إلى دخول البلاد في مرحلة دموية عقب مقتل عشرات المتظاهرين الذين رفضوا وعود ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة بالسماح لهم بتمثيل أكبر بعد فض التظاهرات سلمياً.

وجاء دخول قوات درع الجزيرة الخليجية، والمكونة من 1200 جندي سعودي و800 جندي إماراتي، لحماية النظام البحريني من السقوط عقب شهر واحد من اندلاع الاحتجاجات، ليكون المسمار الأخير في نعش العملية السياسية التي ولدت ميتة في البحرين، إذ استقال أعضاء أكبر جمعية سياسية برلمانية، وهي جمعية الوفاق، من البرلمان البحريني، وغيّب العشرات من المعارضين الشيعة العرب في السجون البحرينية، لتخلو الساحة للأجنحة الراديكالية المدعومة من إيران.

وبعد أن أحكمت السلطات البحرينية قبضتها على البلاد من جديد، قررت حل كافة الجمعيات السياسية المعارضة، وعلى رأسها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة، وإلقاء أمينها العام علي سلمان في السجن، بتهم تتعلق بالطائفية والتحريض على الأمن العام، وإهانة وزارة الداخلية. كما أسقطت الجنسية عن الأب الروحي للجمعية، عيسى قاسم، وجرت محاكمته بتهم تتعلق بغسل أموال. كما قررت حل جمعية العمل الإسلامي (أمل)، وهي جناح آخر من أجنحة المعارضة الشيعية وتنتمي للتيار الشيرازي الشيعي واسع الانتشار في الخليج العربي، ومن ثم عادت لتعلن حل جمعية العمل الوطني (وعد)، وهي جمعية يسارية علمانية، بتهم تتعلق بتغطية أعمال العنف ودعم المتهمين بالإرهاب وتمجيدهم. كما قررت السلطات مصادرة أموال الجمعيات وفق القانون.

ولا تقوم السلطات البحرينية بحل الجمعيات بشكل غير دستوري، بل تلجأ إلى القضاء مستغلة الثغرات الموجودة في قانون الجمعيات السياسية، وتقديم أدلة على خروقات مالية وإدارية بسيطة لدى هذه الجمعيات لحلها، فيما يقول المراقبون السياسيون إن عملية الحل هدفها الأساسي هو تصفية ما تبقى من المعارضة البحرينية داخل البلاد.

وبعد حل الجمعيات السياسية وانعدام وجود حواضن رسمية وعلنية للمعارضين البحرينيين الشباب الساعين للانتقام من عمليات القمع التي مارستها السلطات ضدهم، لجأ الكثير منهم إلى منظمات متطرفة مدعومة من إيران، فتأسست مجموعات عسكرية صغيرة تلقت دعمها من منظمات في إيران ولبنان والعراق، وعلى رأسها "سرايا الأشتر"، التي تتبع للتيار الشيرازي. وأسس متطرفان بحرينيان يدعيان بـ"أبي منتظر" و"ذو الفقار" الحركة في إيران وقاما بتجنيد عدد من المعارضين الشباب وتدريبهم على صناعة المتفجرات في العراق، وهو ما أدى لاستدعاء السلطات البحرينية للسفير العراقي لديها أحمد نايف الدليمي، وتقديم مذكرة احتجاج إليه. وتأسست عقب ذلك خلايا سرية، قالت السلطات البحرينية إنها تلقت تدريباتها في إيران والعراق على يد حزب الله، حيث قامت هذه المجموعة بتفجير أودى بحياة ثلاثة عسكريين، بينهم ضابط إماراتي يعمل في البحرين، عام 2014، بالإضافة إلى عمليات تخريبية أخرى استهدفت المصالح النفطية والتجارية للنظام الحاكم.

ويرى مراقبون سياسيون أن السلطات البحرينية تعمدت تفكيك الجمعيات السياسية المعارضة لها، والتي كانت تعمل بشكل علني وسلمي، وذلك لإفساح المجال أمام الراديكاليين المنتمين للطائفة الشيعية والذين يتبنون مشروعاً متطرفاً لإقامة جمهورية إسلامية في الجزيرة الخليجية الصغيرة. أما الهدف من ذلك فهو أن يرى العالم الغربي أن المعارضة التي تواجهها السلطات هي معارضة إرهابية لا يمكن التفاهم معها، خصوصاً أن عمليات الاعتقال المستمرة التي تقوم بها السلطات ضد المدونين والناشطين السلميين دفعت الكثير منهم للتخلي عن معارضتهم العلمانية والانضمام تحت وطأة الاضطرار لهذه المجموعات الإرهابية. ولم تكتف السلطات البحرينية بإغلاق الجمعيات السياسية الشيعية والعلمانية المعارضة، بل التفتت أخيراً إلى الجمعيات السياسية السنية والموالية لها، والتي ساهمت في كبح جماح موجة الاحتجاجات الشعبية عام 2011، إذ قامت بتقليص صلاحيات جمعية المنبر الإسلامي التابعة لجماعة الإخوان المسلمين الموالية للنظام هناك، وبالتضييق على الجمعيات السلفية الأخرى، فيما صعد نجم النواب المستقلين الذين لا ينتمون إلى أي تيار ويتلقون أوامرهم بشكل مباشر من الملك، في إشارة إلى خوف النظام من أي تنظيم سياسي موالٍ أو معادٍ له.