ولا يزال الغموض يكتنف المفاوضات بين الجانب الروسي وفصيل "جيش الإسلام" حول المصير النهائي لمدينة دوما. ولم ترشح حتى اللحظة معلومات مؤكدة حول ماهية هذا الاتفاق، ومآلاته، وهو ما يدفع أوضاع المدنيين إلى مزيد من التأزم، والتعقيد. وهدأت وتيرة التصريحات، والتصريحات المضادة من الطرفين مع استمرار نزوح المدنيين من المدينة إلى الشمال السوري خشية قيام قوات النظام بعمليات انتقام جماعية، في حال دخولها المدينة التي تضم أكثر من 100 ألف مدني من كل أنحاء الغوطة الشرقية.
وفيما يؤكد "جيش الإسلام" أنه "لا يزال يفاوض على البقاء في دوما"، تؤكد وسائل إعلام تابعة للنظام "بدء عملية إخراج مقاتلي هذا الفصيل من دوما"، متحدثة عن "خروج 1198 من مقاتلي جيش الإسلام وعائلاتهم مساء الثلاثاء". كما أكدت وسائل إعلام روسية، أمس الأربعاء، أنه "تجري التحضيرات من أجل نقل دفعة ثالثة من مقاتلي فصيل جيش الإسلام من مدينة دوما باتجاه مدينة جرابلس شمال سورية، الخاضعة للنفوذ التركي المباشر".
كما أكدت هذه الوسائل "خروج 5 موقوفين تابعين للنظام لدى جيش الإسلام من أصل 50 كدفعة أولى من دوما"، فيما ذكرت مصادر محلية أن "الخارجين من مدينة دوما هم مقاتلون لا ينتسبون إلى فصيل جيش الإسلام، ومدنيون، وحالات إنسانية، تم الاتفاق مع الجانب الروسي على إجلائها نحو الشمال السوري من أجل تلقي العلاج". وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت يوم الثلاثاء، أنه "خرج من دوما منذ بدء عمل الهدنة الإنسانية نحو 2266 شخصاً"، مشيرة الى أن "مجموع الخارجين من الغوطة الشرقية يُقدّر بأكثر من 154 ألف شخص".
وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، داخل مدينة دوما، أن "الشائعات تغزو المدينة"، لافتة إلى أن "جيش الإسلام لا يزال يتحفظ على نتائج تفاوضه مع الجانب الروسي، ولكن بات بحكم المؤكد أنه سيسلم سلاحه الثقيل كله". وأكدت المصادر أن "من المرجّح دخول شرطة عسكرية شيشانية إلى دوما، والجانب الروسي لن يقبل بأقلّ من تسليم المدينة، والمدنيين باتوا في وضع نفسي تعيس"، مضيفة أن "لدى كثيرين الرغبة بالخروج من دوما إلى الشمال السوري، رغم إدراكهم أنهم سيخسرون ممتلكاتهم في حال خروجهم".
على صعيد آخر، وغير بعيد عن غوطة دمشق الشرقية، عادت منطقة القلمون الشرقي إلى دائرة الاهتمام الإعلامي مع بدء مفاوضات بين فصائل المعارضة في شمال شرقي دمشق، وبين الجانب الروسي لحسم مصير المنطقة الاستراتيجية.
وكانت فصائل المعارضة المسلحة في القلمون الشرقي، أعلنت رفضها التهجير، يوم الإثنين الماضي، مشيرة إلى "استعدادها للدفاع ضد أي محاولة اعتداء على مناطق سيطرتها". وأوضحت في بيان مشترك، أنها "شكّلت قيادة عسكرية للقلمون الشرقي"، لافتة إلى أنه "لا مانع من المفاوضات حول مصير المنطقة، مع الحفاظ على سلامة المدنيين والعمران في المنطقة". وأكدت استعدادها للدفاع عن المنطقة "ضد أي اعتداء من المتطرفين، أو المليشيات الأخرى".
بدوره، أفاد فارس المنجد رئيس المكتب الإعلامي في "قوات الشهيد أحمد العبدو"، وهي من أبرز فصائل المعارضة في المنطقة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجانب الروسي طلب تأجيل اجتماع كان مقرراً أمس الأربعاء، إلى أجل غير مسمّى". ونفى ما نشرته وسائل إعلام عن إعطاء الروس للفصائل مهلة للرد على طلبات قدموها متمحورة حول تسليم المنطقة أو التهجير أو الحرب، مشيراً إلى أن "الجانب الروسي أراد جسّ نبض المعارضة حول مستقبل المنطقة". وأكد "عدم وجود تفاوض مباشر بين الفصائل والضباط الروس، فهناك لجنة مدنية من مدن وبلدات القلمون الشرقي".
كما نفى المنجد وجود أي خلاف بين فصائل المعارضة السورية في القلمون الشرقي، مؤكداً أن "هذه الفصائل شكّلت مكتباً سياسياً لمتابعة التفاوض مع الجانب الروسي". وأضاف أنه "لا يوجد أي دور للنظام في المفاوضات التي يتولاها الجانب الروسي وحده". وأشار إلى أن "المنطقة خالية من أي وجود لتنظيمات متطرفة"، مضيفاً أن "من الواضح أن الروس يولون أهمية للمنطقة كونها تقع على مفترق طرق هامة، منها طريق دمشق ـ حمص، وطريق دمشق ـ بغداد الذي يقطع البادية السورية".
كما أكد أن "إيران مهتمة بالمنطقة حيث تمر فيها طرق إمداد مليشياتها المنتشرة في سورية"، مشدّداً على أن "فصائل المعارضة لن تسمح بدخول مليشيات تابعة لإيران إلى المنطقة على الإطلاق". وأوضح أن "وزارة الدفاع الروسية حوّلت الفرقة الثالثة، واسعة الانتشار والتي تصل إلى منطقة الرحيبة، إلى قاعدة عسكرية لها، إضافة إلى وجود روسي وإيراني في مطار السين في القلمون الشرقي". وذكر أن "فصائل المعارضة تتمركز في مناطق محصّنة لا تستطيع قوات النظام الوصول إليها"، مضيفاً "ولكننا نتفاوض من أجل مصير 800 ألف مدني يقطنون في مدن وبلدات القلمون الشرقي".
وشدّد على أن "الفصائل أخلت قبل عامين كل مقراتها داخل المدن، وذلك بعد طرد تنظيم داعش من المنطقة بشكل كامل"، مردفاً أنه "سحبنا كل الذرائع من أجل ألا يستهدف النظام المدنيين بالقصف، وتمّ تسليم المدن لإدارات مدنية، وانسحبنا نحن إلى مواقع لنا بعيدة عن أماكن المدنيين".
وينتشر مقاتلون من فصائل عدة في القلمون الشرقي، تتبع المعارضة السورية المسلحة، أبرزها "فيلق الرحمن"، و"جيش الإسلام"، إضافة لـ"تجمّع الشهيد أحمد العبدو" و"جيش أسود الشرقية"، و"جيش التحرير" الذي يقوده النقيب فراس بيطار، وحركة "أحرار الشام".