وكان نواف طلال الرشيد، وهو حفيد أحد أهم أمراء دولة آل رشيد، الأمير عبد العزيز بن متعب، قد زار الكويت كضيف عند أفراد قبيلته، قبيلة شمر، واسعة النفوذ في السعودية والكويت وقطر والعراق والأردن وسورية، واستُقبل من قبل الأسرة الحاكمة فيها، قبل أن يُسلّم إلى السعودية، بفعل الاتفاقية الأمنية الخليجية التي وقّعت عليها الكويت عام 2014 وتقضي بتسليم المتهمين بين دول مجلس التعاون الخليجي. ويحمل الرشيد الجنسية القطرية كون والدته تنحدر من دولة قطر، بينما يحمل والده الأمير والشاعر والصحافي طلال الرشيد الجنسية السعودية.
وولد الأمير طلال الرشيد (والد المعتقل الحالي نواف) في مدينة الموصل شمال العراق في عام 1962، حيث كان جزء من أسرة آل رشيد يقيم هناك منذ سقوط دولتهم في مدينة حائل شمال نجد عام 1921 على يد الملك عبد العزيز بن سعود، فيما أقام جزء آخر في مدينة الرياض، وتم تزويج بناتهم لأمراء من أسرة آل سعود. وبعد وفاة والد طلال الرشيد، قرر العودة إلى السعودية من جديد، حيث عومل معاملة جيدة ومُنح مخصصات ملكية تخصص عادة للأسر المقربة من النظام. لكن توجساً كبيراً داخل الأسرة الحاكمة من أسرة آل رشيد بدأ من جديد عقب مقتل الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عام 1975 على يد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد آل سعود، واتهمت السلطات السعودية والدة الأمير القاتل، وطفا محمد طلال الرشيد، بتحريض ابنها على قتل الملك فيصل انتقاماً من مقتل ابنها الآخر الأمير خالد على يد عدد من أمراء أسرة آل سعود عام 1965، وانتقاماً لمقتل والدها على يد النظام في منتصف خمسينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من نظرة التوجس من السلطات الحاكمة تجاه أسرته، استطاع الأمير طلال البروز في الحياة العامة، فأصبح شاعراً شعبياً شهيراً ورجل أعمال وناشر مجلات أدبية، قبل أن يتعرض للاغتيال أثناء رحلة صيد عام 2003 في دولة الجزائر على يد مجهولين، لكن أصابع الاتهام أشارت إلى عدد من أمراء آل سعود وأقاربهم الذين اغتاظوا من إطلاق الشعب السعودي لوصف "الأمير" عليه، على الرغم من أن هذا الوصف مخصص للأسرة الحاكمة فقط دون سواها.
احتجاجات على التوقيف
وبعد مقتل والده، انتقل نواف الرشيد إلى قطر، حيث عاش مع والدته القطرية، وحصل على الجنسية تبعاً لوالدته واستقر فيها، وحظي باستقبال رسمي وشعبي من أفراد قبيلته المقيمين في قطر، مبتعداً عن الحياة السياسية. وزار نواف الرشيد الكويت بدعوة من أفراد قبيلته والشاعر عبدالكريم الجباري الشمري، حيث استُقبل في عدة احتفالات أقامتها القبيلة له، كما حظي باستقبال خاص من بعض رجال الأسرة الحاكمة في البلاد، قبل أن يسعى لمغادرة الكويت إلى قطر، لكنه فوجئ في المطار بأن السلطات السعودية قد طلبته فور دخوله إلى الكويت، وطالبت بتسليمه وفق الاتفاقية الأمنية بحجة أنه يملك الجنسية السعودية بالإضافة إلى الجنسية القطرية.
وسادت حالة من الحيرة القانونية في مطار الكويت، وفضّلت إدارات حكومية عدم تسليمه كونه دخل بجواز قطري، لكن الضغوط السعودية دفعت في النهاية الكويت لترحيله إلى السعودية، حيث نُقل إلى الحجز في العاصمة الرياض، قبل أن يُنقل مرة أخرى إلى جدة. وأصدرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر بياناً شجبت فيه اعتقال السلطات السعودية لمواطن قطري، فيما احتج أعضاء في البرلمان الكويتي على تسليم بلادهم الرشيد إلى السعودية. وأصدرت وزارة الداخلية الكويتية بياناً قالت فيه إنها سلمت نواف طلال الرشيد إلى السعودية وذلك "في إطار الترتيبات الأمنية المتبادلة بين البلدين وورود طلب من السلطات المختصة بالمملكة بترحيل مواطنها المذكور إليها".
ولأن الاتفاقية الأمنية التي وقّعتها الحكومة الكويتية مع دول مجلس التعاون الخليجي، لم تمرر في البرلمان الكويتي، فإن وزارة الداخلية اختارت لفظ "ترتيبات أمنية" بدلاً من الاتفاقية الأمنية لتجنّب أي مخالفة قانونية في الترحيل. وأصدرت قبائل شمر في الكويت والعراق والأردن بيانات نددت فيها باعتقال نواف الرشيد وطالبت بالكشف عن مصيره، فيما نظّم معارضون كويتيون مهرجاناً خطابياً أمام البرلمان الكويتي مطالبين الحكومة بتوضيح مصير الرشيد.
أهداف السعودية
على الرغم من أن نواف الرشيد لا يمارس أي نشاط سياسي ولا توجد أي أحكام قضائية عليه، فإن السلطات السعودية سارعت فور علمها بدخوله الكويت إلى إصدار أمر بالضبط والإحضار ضده والضغط على الكويت لتسليمه، وذلك لغاية واحدة، وهي حرصها على سحب كافة شيوخ القبائل من دولة قطر، واستخدامهم في حملتها الإعلامية واستغلال ورقة القبائل للضغط على قطر أثناء حصارها، خصوصاً أن قبيلة شمر تتمتع بوجود كبير في الخليج العربي والعراق والأردن وسورية. بالإضافة إلى خوف السلطات السعودية من وجود شخص من أسرة حاكمة منافسة لها، خارج سيطرتها، مما قد يسهّل تقديمه كأمير جديد أو بديل في نظر الجماهير السعودية، في ظل الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تعانيها المملكة.
من جهتها، قالت المعارضة السعودية مضاوي الرشيد، في حديث تلفزيوني، إن احتجاز نواف الرشيد محاولة سعودية لتوريط الكويت وقطع علاقاتها مع قطر، وإن نواف لا علاقة له بالسياسة لكن اسم عائلة الرشيد لا يزال يرعب السلطات السعودية.
وتنتمي المُعارضة والأكاديمية المقيمة في لندن إلى نفس أسرة نواف الرشيد، كما ينتمي عدد آخر من أفراد الأسرة إلى تيار المعارضة أيضاً ومن بينهم بدر طلال الرشيد، ويتخوّفون من ملاحقة السلطات السعودية لهم وهوسها باعتقالهم وإجبارهم على البقاء في السعودية.