تسير الإدارة الأميركية بخطى متسارعة نحو الإعلان عن صفقة القرن، التي يبدو، بحسب التسريبات التي بدأت تتوالى في الأيام الماضية، وآخرها ما نشرته وكالة "أسوشييتد برس" أمس السبت، أن موعد الإعلان الرسمي عنها قد بات شبه محسوم بعد رمضان، أي بعد منتصف يونيو/ حزيران المقبل.
ويأتي التمهيد الأميركي، عبر التسريبات إلى الصحافة، للإعلان عما يوصف بـ"صفقة القرن"، بعد أن تمكنت إدارة دونالد ترامب من إرساء ما كانت تعتبره ممهدات أساسية من وجهة نظر أميركية وإسرائيلية لهذه الصفقة، بدءاً من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها قبل أيام، مروراً بتكريس المستوطنات، وصولاً إلى العمل على تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتغطية جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، غير آبهة بجميع الاعتراضات، سواء الرسمية أو الشعبية التي ترجمت بمسيرات العودة التي ذهب ضحيتها عشرات الشهداء وآلاف الجرحى على مدى الأسابيع الماضية. كذلك تتجاهل الإدارة الأميركية جميع الانتقادات الدولية، بما في ذلك الأوروبية، معولة في المقابل على صمت عربي يصل من قبل بعض الدول إلى حد التواطؤ، الأمر الذي انعكس بشكل خاص ليس فقط من خلال تجنب أي رد فعل أو موقف ينتقد الإدارة الأميركية بل في تسارع وتيرة التطبيع بين دول عربية وإسرائيل.
اقــرأ أيضاً
وتقترح الخطة معالجة الخلافات حول الحدود والأمن واللاجئين، حسب ما قال مسؤولون أميركيون للصحيفة، بعد انهيار الجولة الأخيرة من المفاوضات، خلال إدارة الرئيس باراك أوباما في عام 2014. وقد حاول مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترامب تصوير الإدارة الأميركية كطرف غير منحاز لإسرائيل بالقول لـ"وول ستريت جورنال" إنّ "دورنا ليس فرض اتفاق على أي من الجانبين. يتمثل دورنا في وضع خطة نعتقد أنّها واقعية. دورنا هو التوصل إلى خطة نعتقد أنّها عادلة"، مضيفاً أنّ "على الجميع أن يدرك أن نقاط الحوار المعتمدة من السبعين سنة الماضية، لم تحقق السلام".
وتصطدم التحركات الأميركية بموقف فلسطيني حاسم لجهة رفض التعامل مع أي خطة تطرحها الولايات المتحدة الأميركية، ما لم تتراجع عن قرار اعترافها بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، مشددين بحسب تصريحاتهم لـ"العربي الجيد" على أن هذا القرار تم نقله للدول العربية أيضاً.
وفيما نقلت "أسوشييتد برس" عن كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، قوله إن أي اتفاق يجب أن يكون بين الفلسطينيين وإسرائيل لا الولايات المتحدة، قبل أن يضيف "لست بحاجة إلى جيسون غرينبلات. ولست بحاجة إلى كوشنر، هذه حياتنا"، وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صالح رأفت، في حديث مع "العربي الجديد"، أن موقف القيادة الفلسطينية "قاطع في هذا الموضوع". ولفت إلى أنه لن يتم "التعامل مع أي خطة تطرحها الولايات المتحدة الأميركية ما لم تتراجع عن قراراها الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي وتغلق السفارة التي افتتحتها في القدس المحتلة، ولذلك لن نتعامل مع ما يُدعى صفقة القرن".
وبالنسبة إلى رأفت فإن "الأفكار الأميركية باتت واضحة، فعندما يقول الرئيس ترامب إنه أزال قضية القدس عن جدول أعمال المفاوضات، ولاحقاً أوقف المساعدات الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، أي أنه أزال قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات، وكذلك الأمر بالنسبة للاستيطان عندما يؤكد السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فرديمان أكثر من مرة أن المستعمرات الإسرائيلية مبنية على أرض الأجداد اليهود وهي أرض اليهود، وضروري الاحتفاظ بكل المستعمرات الإسرائيلية لأن إزالة أي مستعمرة إسرائيلية ستؤدي إلى حرب أهلية داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل".
وتساءل رأفت "بعد أن أزالت الإدارة الأميركية القدس واللاجئين والمستعمرات ماذا بقي على جدول أعمال المفاوضات؟"، قبل أن يضيف "لذلك قررت القيادة الفلسطينية عدم التعامل مع أي أفكار تطرحها إدارة الرئيس ترامب، وسنتابع عملنا مع المجتمع الدولي من أجل عقد مؤتمر دولي حقيقي يضع أساسيات لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وليس للتفاوض عليها، وينبثق عن هذا المؤتمر الدولي هيئة جماعية دولية ترعى أي مفاوضات لاحقة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وليس من أجل إجراء مفاوضات من أجل المفاوضات كما يريد ترامب ونتنياهو"،
وحول وجود أي قنوات بين القيادة الفلسطينية والأميركية أكد رأفت أنه "لا يوجد أي قنوات، هناك قرار للقيادة الفلسطينية منذ إعلان الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال بقطع كل أشكال العلاقات مع إدارة الرئيس ترامب". وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين الفلسطينيين بينهم رأفت بعدم وجود أي قنوات بين القيادة الفلسطينية والإدارة الأميركية على الصعيد السياسي، إلا أن القناة الأمنية بين الفلسطينيين والأميركيين قائمة ولم تتوقف، حسب ما أكد مصدر مطلع في حديث مع "العربي الجديد" اشترط عدم ذكر اسمه. وحسب مصدر آخر، تحديث مع "العربي الجديد"، فإن القناة الأمنية بقيادة رئيس جهاز المخابرات اللواء ماجد فرج، وبعض رجال الأعمال الذي تربطهم علاقات وثيقة بمسؤولين أميركيين، عادة ما كانوا يقومون بمبادرات لفتح القناة السياسية بين الطرفين الفلسطيني والأميركي وترتيب لقاءات بين الطرفين، عندما تتعقد الأمور وتغلق القناة السياسية".
من جهته، علق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني، في حديث مع "العربي الجديد"، حول نية الإدارة الأميركية الإعلان عن صفقة القرن بعد شهر رمضان قائلاً: "هذه محاولات أميركية بين الفترة وأخرى لإطلاق بالونات اختبار الهدف منها هو إيهام الرأي العام العالمي بأن هناك تحركاً أميركياً، وحتى للتغطية على الموقف الأميركي المتطابق مع السياسة الإسرائيلية، والهادف إلى فرض سياسة الأمر الواقع".
من جهته، قال الكاتب ومدير مركز "مسارات" هاني المصري، في حديث مع "العربي الجديد": "نحن أمام ثلاثة سيناريوهات، الأول ألا يتم طرح هذه الصفقة أصلاً لأن الإدارة الأميركية تقول منذ نحو عام إنها بصدد طرح صفقة القرن ولم تفعل". والسيناريو الثاني "أن تطرح على أمل استئناف المفاوضات للتخفيف من رفضها وتهيئ من قبولها لاحقاً، وذلك عبر استدراج القيادة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، عبر الموافقة على جزء ورفض جزء من الصفقة من قبل القيادة الفلسطينية، وهذا ليس سهلاً". أما السيناريو الثالث فيتمثل في أن "تطرح الولايات المتحدة الأميركية الصفقة وتحمل الفلسطينيين مسؤولية ما سيحدث، لا سيما أن بعض الدول العربية أبدت موافقة على التعاطي مع الإدارة الأميركية من دون حل القضية الفلسطينية، في ظل الحديث عن حلف إقليمي ضد إيران". وختم قائلاً "هناك معارضة غير كافية لإحباط صفقة القرن، لكن أيضاً كافية لعدم تمريرها بسهولة، وعلى سبيل المثال لو كانت هناك معارضة ميدانية كما جرى في قطاع غزة بالأسابيع الماضية، سوف يحدث تغيير ليس فقط على صعيد صفقة القرن، وإنما على مجمل القضية الفلسطينية، لأن ذلك سوف يمنح أملاً بتسوية أفضل وفيها الحد الأدنى مما يريده الفلسطينيون".
وتستعد الإدارة الأميركية لاحتمال عدم التجاوب الفلسطيني من خلال إشهار عصا "العقوبات". وفي السياق أشار تقرير "أسوشييتد برس" إلى أن الإدارة الأميركية" تقاوم مطالب الكونغرس بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بالكامل لأن غرينبلات وكوشنر يريدان إبقاء هذه القناة مفتوحة في حال كان الفلسطينيون منفتحين على العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل على أساس الخطة، بحسب أسوشييتد برس. وقد أمر وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون بإغلاق المكتب في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولكن سُمح له بالبقاء مفتوحاً لأغراض محدودة بموجب تفسير الإدارة للقانون الذي يقضي بإغلاقه في غياب محادثات السلام.
وجاء ذلك بعدما أرجأ البيت الأبيض لعدة أشهر توصيات وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالإفراج عن بعض الأموال، وفقاً للمسؤولين. وقال ثلاثة مسؤولين إنه لا يوجد مؤشر على إمكانية تنفيذ هذه التوصيات في القريب العاجل على الرغم من مطالب المشرعين وحتى القلق الذي تبديه إسرائيل التي ترى قيمة هذه المساعدات خاصة بقطاع الأمن. وقال أحد المسؤولين إن هناك "افتقاراً واضحاً للعجلة" بشأن اتخاذ قرار حول التمويل. وقال الاثنان الآخران إنه لا يوجد ما يشير إلى أن الإطار الزمني لنهاية مايو/ أيار الحالي سيتحقق.
بدورها، أكدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في بيان، تلقت وكالة "أسوشييتد برس" نسخة عنه، أن "الإدارة تقوم حالياً بمراجعة المساعدات الأميركية للفلسطينيين. وتجري الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مناقشات مع جميع الشركاء الموجودين ضمن حالة المراجعة، كما تعمل بشكل وثيق مع الوكالات المشتركة بين الوكالات، حيث تنتهي الإدارة من مراجعتها". وأشار المسؤولون إلى وجود مخاطر مباشرة بين ما بين خمسة وعشرة من أصل 20 من مشاريع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الضفة الغربية وغزة، إلى جانب المبادرات الجديدة المقترحة. وقالوا إنه بدون قرار سريع ستنفد هذه الأموال بنهاية عام 2018. وقالوا إن كل المبادرات الأخرى سوف تفقد الأموال في أوائل عام 2019 ما لم يتم إلغاء الحظر على التمويل الأميركي.