لم تعد إيطاليا في مرحلة الضبابية بين يسارها ويمينها، في ظلّ وصول السلطة إلى الشعبويين في اليسار واليمين. فقد أفرزت انتخاباتها الأخيرة في 4 مارس/ آذار الماضي توجهاً عميقاً لدى الإيطاليين بوجوب اختيار السلوك التطرفي العنفي سياسياً، في مواجهة أوروبا من جهة، والتردّي الاقتصادي من جهة أخرى. وعلى وقع تراجع القوى التقليدية، تفاهم حزب "رابطة الشمال" اليميني المتطرف مع "حركة النجوم الخمس" الشعبوية، على ترشيح جيوزيبي كونتي، مرشحاً مشتركاً لهما لرئاسة الحكومة الإيطالية العتيدة، الذي سماه الرئيس سيرجيو ماتاريلا لتأليف الحكومة. وكونتي هو أستاذ جامعي من مدينة فيرنسي ومقرّب من "حركة النجوم الخمس". وقد وُلد في عام 1964 في قرية فولتورارا أبولا الصغيرة الواقعة في منطقة بوليا جنوب ايطاليا. ولديه خبرة كبيرة في القانون والعمل الأكاديمي. وشغل كونتي أيضاً مناصب في مراكز دراسات وأبحاث في بعض أعرق الجامعات في العالم، ومنها كامبريدج والسوربون وجامعة نيويورك. ويدير مكتب محاماة في روما، ويعطي دروساً خاصة في القانون في فلورنسا وفي جامعة لويس في العاصمة. وشارك في عضوية مجلس إدارة وكالة الفضاء الإيطالية، وعمل مستشاراً قانونياً لغرفة التجارة في روما وعضواً في المجلس الاستشاري لعدد من شركات التأمين في محاكمات إفلاس.
وأمام كونتي مشاكل حقيقية، فإيطاليا دولة مديونة ومهددة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من كونها الاقتصاد الثالث فيه، وعلى الرغم من الديون المتراكمة فيها مقارنة بأي دولة أوروبية تعهد حزبا "حركة النجوم الخمس" و"رابطة الشمال" بفرض ضرائب أقل على الدخل، وضمان وجود دخل أساسي للجميع، وتخفيض سن التقاعد، ولكن هذا الأمر لا يكفي لأن لمنطقة اليورو قواعد صارمة ضد العجز الكبير في الميزانية، ولكن في هذه الحالة لن يتم توجيه الغضب إلى الحكومة الجديدة في روما، ولكن إلى بروكسل وبرلين، لأن في هذه الحالة يمنع الاتحاد الأوروبي الإيطاليين من الحصول على المزايا التي صوتوا لصالحها، وهو الاتحاد الأوروبي نفسه، الذي وعد بالمساعدة في التدفق الضخم للمهاجرين عبر البحر المتوسط، ثم لم يفعل شيئاً يذكر، وهذا بدوره قد يؤدي إلى مغادرة إيطاليا لليورو.
وتواجه إيطاليا عقبات كبيرة لترك منطقة اليورو، مثل أنها لا تمتلك أي حق لإجراء استفتاء حول المعاهدات الدولية، ولكن الحكومة الإيطالية الجديدة ستحاول إيجاد مخرج لذلك، على الرغم من أنها لن تفعله على الفور. وفي ظلّ المخاوف من النموذج اليوناني، يعتبر البعض أن إيطاليا لا تشبه اليونان.