رغم علامات الاستفهام الكبيرة التي رفعها الرأي العام اللبناني على المجموعات السياسية الجديدة التي دخلت الحياة السياسية مع بداية العهد الرئاسي الجديد في لبنان عام 2016، إلا أن هذه القوى التي تدور في فلك "المجتمع المدني" و"المستقلين" ثبّتت موطئ قدم في الحياة السياسية اللبنانية.
هذا المعطى عبّرت عنه نتائج الانتخابات النيابية التي تمت أمس الأحد، وتكرار سيناريو الانتخابات البلدية عام 2016، التي تخللها "ضياع" بعض صناديق الاقتراع، وتأخر الفرز، وإعلان النتائج بشكل مريب، ما أدى إلى استبعاد أي من مرشحي "المجتمع المدني" عن قوائم الفائزين.
وشهدت الانتخابات الحالية حملات تخوين مركزة من قبل الأحزاب التقليدية للمرشحين المُستقلين، الذين اتُهموا بخدمة "الآخر" من خلال إضعاف الموقف الطائفي للأحزاب.
وبعد أن أجمعت ماكينات أحزاب السلطة على حجز مرشحتين من تحالف "كلنا وطني" لمقعدين من أصل 8 مقاعد في دائرة بيروت الأولى، أمس الأحد، وبعد أن احتفلت المرشحة جمانة حداد، وهي صحافية، بفوزها مع زميلتها في اللائحة، بولا يعقوبيان، فوجئ الجميع بتغيّر النتائج، ظهر اليوم الإثنين، والإعلان بشكل غير رسمي عن خسارة حداد وفوز مرشح "التيار الوطني الحر" المنافس لها.
وقالت حداد، خلال مقابلات صحافية، اليوم الإثنين، إن "موظفي لجان القيد أبعدوا مندوبي "كلنا وطني" والمراقبين المحليين المستقلين عن مكاتبهم، وأغلقوا الأبواب لمدة 20 دقيقة، قبل أن تتغير النتائج".
وأكدت كل من حداد ويعقوبيان الطعن في الأمر، في حال تم إعلانه رسمياً، مع الدعوة إلى مظاهرة أمام وزارة الداخلية، عصر اليوم.
وتجدر الإشارة إلى أن المرشحين المستقلين خاضوا الانتخابات الحالية عبر مجموعة ائتلافات، كان "كلنا وطني" أكبرها، مع ترشيح عشرات المرشحين في مختلف الدوائر اللبنانية.
وقد شكلت هذه الترشيحات مزيجاً من امتداد الحراك المدني والشعبي، خلال أزمة النفايات عام 2015، والانتخابات البلدية عام 2016، الذي تطعّم بمجموعة حركات سياسية جديدة تم الإعلان عن تشكيلها ولا تزال محل خلاف في النظر إلى مدى استقلالها ومدنيتها.
وأبرز هذه الأطراف "حزب سبعة"، الذي انطلق بتمويل مالي كبير وغير واضح المصدر، وتحول إلى تيار منتشر في مختلف المناطق اللبنانية.
وقد جمع "سبعة" مرشحين من توجهات سياسية مختلفة من دون إطار سياسي متين يجمع فيما بينهم.
وقد أدت التصريحات المتناقضة لمرشحي "سبعة" بشأن مختلف العناوين السياسية في لبنان قبيل الانتخابات، إلى تراجع الدعم الشعبي للحالة المدنية من قبل الناخبين، رغم عدم قناعتهم بأداء الأحزاب التقليدية، وهو ما انعكس تراجعاً في نسبة التصويت عن الانتخابات الماضية عام 2009، رغم الانتقال من النظام الأكثري إلى النظام النسبي في قانون الانتخابات الجديد.
خروقات بالجملة
ورصدت "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" (لادي) مئات الخروقات لقانون الانتخابات، أمس الأحد. ومن أبرز الخروقات، التي تم الإعلان عنها خلال مؤتمر صحافي اليوم الإثنين، خرق واسع النطاق للمادة 95- الفقرة الرابعة (سرية الاقتراع) والمادة 96 الفقرة الأولى (اقتراع ذوي الاحتياجات الخاصة)، إذ سجل في كل المناطق اللبنانية مرافقة مندوبي اللوائح لعدد كبير من الناخبين إلى خلف العازل بحجة الأمية والإعاقة، من دون التحقق من ضرورة الحاجة إلى المرافقة، ومن دون تسجيل هذه الواقعة في المحاضر، وهو أمر يمثل خرقا واضحا لسرية الاقتراع وضغطا على الناخبين داخل الأقلام وخلف العازل.
وحمّلت الجمعية، وزارة الداخلية والبلديات ورؤساء الأقلام، مسؤولية القيام بدورهم في التحقق من سلامة الالتزام بهذه المادة.
كما تحدثت "لادي" عن عدم احترام فترة الصمت الانتخابي من قبل رئيس الجمهورية، وصولا إلى عدد من المرشحين وعدد من وسائل الإعلام، وسجلت "بعض حالات العنف المباشر في الشويفات وبنت جبيل وجبيل وزحلة"، وكذا "استمرار الضغط على الناخبين، تواجد كثيف للماكينات الانتخابية في مراكز الاقترع، وملاحقتهم إلى داخل الأقلام، والترويج الانتخابي داخل المراكز".
ومن ضمن الخروقات التي أشارت إليها الجمعية "عدم تجهيز أغلبية المراكز بشروط تسهل عملية اقتراع ذوي الإعاقة"، وقالت إن "الحبر السري من السهل إزالته"، فضلا عن "تثبيت المعازل في عدد كبير من المراكز بطريقة لا تضمن سرية الاقتراع، وعدم توحيد المعايير بين رؤساء الأقلام في كيفية وضع المعزل".
وتحدثت "لادي" عن "فوضى في تسلم مغلفات الاقتراع الخاصة بالمغتربين في لجنة القيد العليا في بيروت"، و"إطلاق رصاص كثيف في دوائر بعلبك الهرمل، طرابلس المنية-الضنية، وصيدا-جزين بعد انتهاء الفرز في أقلام الاقتراع وخلال بدء فرز اللجان الابتدائية"، مع "تسجيل حالات من التحرش بالمندوبات والناخبات من قبل هيئات القلم أو القوى الأمنية أو المندوبين".