وبقدر الأهمية السياسية لمعركة الحديدة (230 كيلومتراً غربي العاصمة صنعاء)، سواء للتحالف من جهة، أو للحوثيين الذين سيحاولون تجنب الهزيمة التي ستلقي بظلالها على مختلف المدن الخاضعة لهم، خصوصاً إذا ما خسروا المنفذ الوحيد الخاضع لهم والذي ما زال عاملاً إلى البحر الأحمر من جهة ثانية، بقدر ما ستكون المعركة وتداعياتها مكلفة على الصعيد الإنساني نتيجة احتمال تعرض أكثر من مليوني يمني للخطر إذا ما توقف عمل ميناء الحديدة لفترة طويلة، خصوصاً أنه الميناء الأول في اليمن، الذي يستقبل الواردات التجارية والمساعدات الإنسانية. وضع دفع بالمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، للإعراب، أمس، عن "قلق بالغ من التصعيد العسكري في الحديدة وتأثيره الإنساني والسياسي"، لافتاً إلى أنه "على اتصال بالأطراف لتجنب المزيد من التصعيد". كما دعا جميع الأطراف إلى "ضبط النفس وبذل جهود سياسية لتجنيب الحديدة مواجهة عسكرية"، في ما بدا أنه محاولة أخيرة لوقف المعارك العسكرية. بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، أمس، أن فرنسا تدعو إلى "حل سياسي تفاوضي" في اليمن "بما في ذلك في الحديدة"، معتبرةً أن الحل السياسي التفاوضي وحده سيسمح بوضع حد بشكل دائم للحرب في اليمن ووقف تدهور الوضع الأمني والإنساني في هذا البلد".
أهمية سياسية قصوى
وكما هو الحال منذ إعلان "عاصفة الحزم"، التي بدأت من خلال تصريحات للسفير السعودي السابق في واشنطن عادل الجبير (وزير الخارجية حالياً)، جاء الإعلان السعودي عن بدء معركة الحديدة عبر السفير السعودي في الولايات المتحدة خالد بن سلمان، الأمر الذي يشير إلى الأهمية القصوى التي تشكلها معركة الحديدة، وما يرتبط بها من ضغوط دولية. وأعلن بن سلمان عن انطلاق عملية تحرير "ميناء الحديدة" فجر الأربعاء، وقال إن "أهمية تحرير الحديدة من سيطرة المليشيا تأتي في ضوء الخطر المتزايد الذي تشكله على أمن البحر الأحمر، وهو ممر مائي أساسي للاقتصاد العالمي، تمر عبره حوالي 15 في المائة من خطوط التجارة الدولية". كما قال إنه "سبق أن هاجم الحوثيون سفناً عسكرية ومدنية تابعة للمملكة والإمارات والولايات المتحدة، وغيرها من الدول". وأشار بن سلمان في الوقت ذاته إلى المقترح الدولي الذي كان المبعوث الدولي السابق، الوزير الحالي للخارجية الموريتانية، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، قد أعلن عنه العام الماضي، ويتضمن تسليم ميناء الحديدة إلى الأمم المتحدة. واللافت في تصريح السفير السعودي هو التأكيد على أن هذا الخيار الذي رفضه الحوثيون في السابق، لا يزال مطروحاً، على الرغم من أن لغة الحرب وحدها أصبحت هي الحاسم، كما تقول أغلب المؤشرات. وفي الوقت نفسه، اعتبر خالد بن سلمان أن "السبيل الأمثل لمعالجة مسألة الحديدة والأوضاع الإنسانية فيها وفي اليمن بشكل عام هو تنفيذ مليشيا الحوثي لقرار مجلس الأمن الدولي 2216 والانسحاب من الحديدة، وتسليمها للحكومة الشرعية اليمنية". والتحق الرئيس عبد ربه منصور هادي، متأخراً ساعات طويلة، بالإعلان السعودي لمعركة المدينة والميناء والمطار، فدعا قوات الجيش والتحالف العربي إلى الحسم العسكري في مدينة الحديدة. وفي تصريح نقلته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، دعا هادي الجيش والمقاومة وقوات التحالف إلى "اللجوء للحسم العسكري لتحرير مدينة وميناء الحديدة بعدما وصلت الأمور في المحافظة إلى درجة الكارثة الإنسانية، التي لا يمكن السكوت عليها، جراء الممارسات الحوثية وتعنتها في التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة في اليمن".
توقعات بمعركة طويلة
ووفقاً لمصادر عسكرية تحدثت مع "العربي الجديد"، ركزت عمليات التحالف، الأربعاء، على الخط الساحلي الذي كان بوابة الاختراق الأساسية للتحالف وقوات الشرعية نحو الحديدة، من خلال تنفيذ قصف مكثف، بالمقاتلات والبوارج الحربية، باتجاه مواقع مفترضة للحوثيين، بما في ذلك حواجز إسمنتية مفخخة وضعها الحوثيون في مديرية "الدريهمي". وفي السياق نفسه، قال مسؤولون يمنيون لوكالة "أسوشييتد برس"، إن القتال كان محتدماً أمس، داخل مديرية الدريهمي، لافتين إلى أن شبكة من حقول الألغام بالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أعاقت تقدم القوات الحكومية.
من جهته، قال المتحدث باسم اللواء الثاني في قوات "العمالقة" عبد الله عبد المجيد الشعبي، إن الهجوم لاستعادة الحديدة ومينائها بدأ، مع شن مقاتلات التحالف غارات واسعة ضد الحوثيين على المدخل الجنوبي للمدينة. وأضاف أن القصف الجوي دمر مواقع الحوثيين في مناطق النخيلة والشجيرة وقضبة والمصلي، وهي الخطوط الأمامية للمسلحين، فيما تقدمت قوات الشرعية باتجاه الشمال نحو المدينة. وأكد الشعبي أن "قوات اللواء الثاني عمالقة، تسيطر على مواقع عسكرية هامة عند مدخل مدينة الحديدة"، فيما أفاد بأن عشرات من المسلحين الحوثيين سلموا أنفسهم في اللحظات الأولى من الهجوم، وأن آخرين سقطوا قتلى وجرحى إثر الغارات الجوية المكثفة، دون أن تتوفر حصيلة محددة.
وفي السياق ذاته، قال سكان محليون في الحديدة لوكالة "الأناضول" في إفادات متطابقة، إن دوي انفجارات عنيفة كان يُسمع طوال يوم أمس من الجهة الجنوبية، في ظل الاستنفار الكبير وحالة الطوارئ في صفوف الحوثيين عند المدخل الجنوبي. كذلك نقلت قنوات محسوبة على دول التحالف أنباء عن تنفيذ قوات التحالف قصفاً "مركزاً ومكثفاً" قرب ميناء الحديدة، ثاني أكبر ميناء على البحر الأحمر بعد مرفأ جدّة السعودي.
من جهته، قال قائد ميداني في القوات الحكومية في تصريح لوكالة "فرانس برس": "حصلنا على الضوء الأخضر ونتقدم نحو مطار مدينة الحديدة". وقال قادة ميدانيون آخرون لمراسل الوكالة في الجاح، على بعد نحو 30 كيلومتراً جنوب شرق مدينة الحديدة، إن القوات المدعومة من التحالف باتت على بعد أربعة كيلومترات فقط من مطار المدينة الواقع في جنوبها، فيما قال سكان في المدينة لوكلة "أسوشييتد برس" إن طائرات التحالف، بقيادة السعودية، أسقطت منشورات تنصحهم بالابتعاد عن النقاط العسكرية والأمنية، والبقاء في منازلهم، مع بدء شن هجوم على المدينة.
وكانت التعزيزات من قبل قوات الشرعية المدعومة من التحالف قد تدفقت إلى محيط الحديدة طوال الأيام الماضية. وتشارك في المواجهات ما تعرف بـ"ألوية العمالقة"، بالإضافة إلى تعزيزات لما تعرف بـ"المقاومة التهامية"، وللقوات الموالية للعميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل، والتي تُعرف بـ"المقاومة الوطنية"، وتدعمها الإمارات.
في المقابل، أعلن الحوثيون، عبر قناة "المسيرة" المتحدثة باسمهم، أنهم شنوا عمليات ضد القوات الموالية للحكومة في محافظة الحديدة، بينها "استهداف بارجة لقوى العدوان قبالة سواحل الحديدة". وذكرت مصادر طبية في محافظة الحديدة لمراسل فرانس برس، أن 22 من الحوثيين قتلوا في غارات شنها التحالف، بينما قتل ثلاثة من القوات الموالية للحكومة في هجوم شنه المتمردون على موقع قريب من الحدود الجنوبية لمدينة الحديدة. وكانت مصادر محلية أكدت لـ"العربي الجديد"، أن الحوثيين وعلى مدى الأيام الماضية، شرعوا بأكبر عملية تحركات عسكرية من خلال سحب مسلحيهم ومليشياتهم وأفراد من القوات العسكرية الخاضعة لهم، من مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتهم، إلى الحديدة. كما تم تخفيض العشرات من حواجز التفتيش التي تقيمها الجماعة في المدن، وذلك لنقل أفرادها إلى الحديدة، على نحوٍ يجعلها ساحة لمعركة حاسمة. وفي الوقتٍ ذاته، فإن المعركة تبدو مكلفة بالنسبة للتحالف الذي سيسعى إلى حسم المعركة عسكرياً مهما كانت الخسائر، على الأقل، بالاعتماد على التفوق الذي تفرضه موازين القوى، في ظل وجود المقاتلات والبوارج الحربية وأحدث المعدات المستخدمة بالعمليات ضد الحوثيين.
فشل جهود تعطيل المعركة
وعشية انطلاق العملية العسكرية باتجاه الحديدة، كان واضحاً أن الجهود الدولية قد وصلت إلى طريق شبه مسدود، على الرغم من التحذيرات والضغوط المعلنة من قبل أبرز الأطراف الدولية الفاعلة، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي أجرى رئيسها إيمانويل ماكرون، اتصالاً مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، حثّ فيه "الأطراف المعنيين" في النزاع اليمني إلى "ضبط النفس" و"حماية السكان المدنيين". كما توالت المؤشرات على مدى اليومين الماضيين حول اقتراب ساعة الصفر، خصوصاً بعدما سحبت الأمم المتحدة في وقت مبكر من يوم الاثنين الماضي، كل موظفيها الدوليين من مدينة الحديدة.
وبدأت ملامح فشل الجهود الدولية، مع انتهاء الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، بدون الخروج بموقف حاسمٍ يمنع عن الحديدة، كواحدة من أهم المدن اليمنية، التحول إلى ساحة حرب، قد تؤدي إلى تعطيل الشريان الرئيسي بالنسبة لأغلب اليمنيين، ممثلاً بميناء الحديدة، غير أن العملية العسكرية كانت، تقريباً، قد أصبحت محسومة، إذ بقيت التعزيزات العسكرية تتدفق لقوات الشرعية من اتجاه الجنوب. وشملت محاولات التحالف، تحديداً الإمارات، تجاوز الضغوط الدولية الكبيرة، بالترتيب السياسي للعملية من خلال دعوة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى أبوظبي، وتحديد موعد الزيارة قبل ساعات من الإعلان عن انطلاق عملية "النصر الذهبي". كما أصدرت الحكومة اليمنية بياناً، فجر الأربعاء، كان بمثابة إعلان رسمي بتدشين معركة الحديدة، وقالت إنها "استنفدت كافة الوسائل السلمية والسياسية لإخراج المليشيا الحوثية من ميناء الحديدة". كما أشارت إلى أنها "طالبت أكثر من مرة المجتمع الدولي بالقيام بواجبه تجاه المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني وخاصة أبناء الحديدة جراء الممارسات الحوثية". وقالت في البيان، إنها ماضية "نحو إعادة الشرعية إلى كامل التراب الوطني". واعتبرت أن "تحرير الميناء يمثل بداية السقوط للحوثيين"، من دون أن تعلن رسميا انطلاق العملية.
في موازاة ذلك، استنفر المسؤولون السعوديون والإماراتيون لتبرير العملية. وكتب السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، في حسابه على تويتر: "الحديدة تتحرر، اليمن يتنفس".
في المقابل، حرص وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، على التغريد باللغة الإنكليزية على حسابه في تويتر، على عكس المرات السابقة بشأن اليمن، مؤكداً أن "احتلال الحوثيين لميناء الحديدة يطيل الحرب اليمنية". واعتبر أن "تحرير المدينة والميناء سيخلق واقعاً جديداً ويعيد الحوثيين إلى المفاوضات". وأضاف قرقاش على تويتر "على المجتمع الدولي أن يضغط على الحوثيين لإخلاء الحديدة وترك الميناء سليماً".
وفي السياق، دعت 15 منظمة غير حكومية دولية الرئيس الفرنسي إلى الضغط على السعودية والإمارات لتجنب الهجوم على الحديدة، معتبرة أنه "لا يمكن تصور الإبقاء" على مؤتمر باريس الإنساني حول اليمن والمقرر تنظيمه في نهاية يونيو/ حزيران الحالي في ظل الهجوم. من جهتها، أعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" عن قلقها على حياة المدنيين جراء العملية في مدينة الحديدة، وبينهم نحو 300 ألف طفل. وأوضحت أنها تستعد "للاحتمال الأسوأ". وتضع العمليات العسكرية المدينة أمام حرب مفتوحة لا يزال من المبكر تقدير حجم خسائرها. على الصعيد الإنساني، يمكن أن يؤدي القتال إذا ما استمر فترة طويلة، لكارثة إنسانية تهدد الإمدادات في غالبية المناطق الشمالية الخاضعة للحوثيين. كما أن الحديدة كمدينة، من أبرز المدن اليمنية التي تحوي منشآت ومصانع تجارية، وبالتالي فإن الآثار التي قد تتركها حرب شوارع داخل المحافظة، لا تزال مجهولة العواقب.
أما على الصعيد العسكري، فإن سيطرة التحالف على المدينة، ستلحق بالحوثيين خسائر اقتصادية وعسكرية، وستؤثر على قبضتهم بالمناطق الشمالية بما فيها صنعاء، وهو ما يفسر بيان الحكومة اليمنية الذي قال إن "تحرير ميناء الحديدة يشكل علامة فارقة في نضالنا لاستعادة اليمن من المليشيات التي اختطفته لتنفيذ أجندات خارجية"، كما قال إن "تحرير الميناء بداية السقوط للمليشيا الحوثية وسيؤمن الملاحة البحرية في مضيق باب المندب".